responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 356
التَّبَرُّؤَ مِنْ دَعْوَى وَاحِدَةٍ، هِيَ دَعْوَى الصِّفَاتِ الْخَاصَّةِ بِاللهِ تَعَالَى، وَأَمَّا نَفْيُ ادِّعَاءِ الْمَلَكِيَّةِ فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ، فَأُعِيدَ الْعَامِلَ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّنِي لَا أَدَّعِي صِفَاتَ الْإِلَهِ حَتَّى تَطْلُبُوا مِنِّي مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، وَلَا أَدَّعِي أَنِّي مَلَكٌ - وَهُوَ دُونُ مَا قَبْلَهُ - حَتَّى تَطْلُبُوا مِنِّي مَا جَعَلَهُ اللهُ فِي قُدْرَةِ الْمَلَائِكَةِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ مَقْدُورِ الْبَشَرِ، بَلِ ادَّعَيْتُ
أَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَإِنَّمَا وَظِيفَةُ الْعَبْدِ الطَّاعَةُ، وَوَظِيفَةُ الرَّسُولِ التَّبْلِيغُ، وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) أَيْ: مَا أَفْعَلُ مِنْ حَيْثُ أَنَا عَبْدٌ رَسُولٌ إِلَّا اتِّبَاعَ مَا يُوحِيهِ إِلَى مَنْ أَرْسَلَنِي مِنْ تَبْلِيغِ دِينِهِ بِالتَّبْشِيرِ وَالْإِنْذَارِ وَالْعَمَلِ بِهِ كَمَا بَيَّنْتُ لَكُمْ آنِفًا - أَيْ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ.
ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: هَلْ يَسْتَوِي أَعْمَى الْبَصِيرَةِ الضَّالُّ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ فَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ، وَلَا بَيْنَ صِفَاتِ اللهِ وَصِفَاتِ الْخَلْقِ، الْمُقَلِّدُ فِي ضَلَالِهِ وَجَهَالَاتِهِ لِمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَلَا عَقْلَ مِنْ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَذُو الْبَصِيرَةِ الْمُهْتَدِي إِلَيْهِ، الْمُسْتَقِيمُ فِي سَيْرِهِ عَلَيْهِ، عَلَى بَيِّنَةٍ وَبُرْهَانٍ، يَجْعَلُ مَا يَرَى الْقَلْبُ أَوْضَحَ مِمَّا تَرَى الْعَيْنَانِ؟ الِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ: لَا يَسْتَوِيَانِ كَمَا أَنَّ أَعْمَى الْعَيْنَيْنِ وَبِصِيرِهِمَا لَا يَسْتَوِيَانِ، بَلِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَّلِينَ أَقْوَى وَأَظْهَرُ، فَكَأَيِّنْ مِنْ أَعْمَى الْعَيْنَيْنِ بَصِيرُ الْقَلْبِ كَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْدَى الْفُضَلَاءِ، وَكَأَيِّنْ مِنْ بَصِيرِ الْعَيْنَيْنِ أَعْمَى الْقَلْبِ هُوَ أَضَلُّ مِنَ الْأَنْعَامِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ مُقَرِّعًا لَهُمْ: (أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) أَيْ فِي ذَلِكَ، فَتُمَيِّزُوا بَيْنَ ضَلَالَةِ الشِّرْكِ وَهِدَايَةِ الْإِسْلَامِ، وَتُفَرِّقُوا بَيْنَ صِفَاتِ الرَّبِّ الْإِلَهِ وَصِفَاتِ الْإِنْسَانِ، وَتَعْقِلُوا حُجَّةَ الرِّسَالَةِ مِمَّا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِدَايَةِ وَالْعِرْفَانِ، وَأَخْبَارِ الْغَيْبِ الَّتِي لَمَّ يُؤْتَهَا إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ، عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بَلَاغَةِ الْبَيَانِ، وَالْأُسْلُوبِ الْبَدِيعِ الَّذِي لَمْ يَعْهَدُوهُ قَبْلَ الْآنِ. فَمَتَى كَانَ فِي قُدْرَةِ مِثْلِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ يَزِيدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، عَاطِلًا مِنْ هَذِهِ الْبَلَاغَةِ وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ.! .
هَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ اللهِ تَعَالَى لِلْمُسْتَقِلِّينَ فِي هِدَايَةِ الدِّينِ، عَلَى الْمُقَلِّدِينَ فِيهِ لِآبَائِهِمْ وَمَشَايِخِهِمُ الْجَاهِلِينَ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اسْتِنْبَاطِ الْمَذَاهِبِ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ اسْتَدَلَّتْ بِهَا عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَنَاقَشَهُمْ جُمْهُورُ الْأَشَاعِرَةِ فِي ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَذْهَبِهِمْ، وَقَدْ قَرَّرَ الطُّوفِيُّ الْمَسْأَلَةَ فِي تَفْسِيرِهِ " الْإِشَارَاتُ الْإِلَهِيَّةُ، إِلَى الْمَبَاحِثِ الْأُصُولِيَّةِ " عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) بِقَوْلِهِ: يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ، وَتَقْرِيرُهُ هَاهُنَا أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ
مِنَ النَّبِيِّ ; وَلِذَلِكَ طَلَبُوا رُؤْيَةَ الْمَلَائِكَةِ وَأَنْ يُرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَلَكٌ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُمْ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ وَقَالَ:

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 356
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست