responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 355
الْمَلَكِ مُتَمَثِّلًا بِصُورَةِ بَشَرٍ أَوْ جِسْمٍ آخَرَ فَهُوَ سَبَبٌ عَامٌّ لِرُؤْيَتِهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتَمَثَّلُ إِلَّا لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَوْ آيَةٍ لِنَبِيٍّ أَوْ صِدِّيقٍ.
فَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُعْطَوْا عِلْمَ الْغَيْبِ بِحَيْثُ يَكُونُ إِدْرَاكُهُ مِنْ عُلُومِهِمُ الْكَسْبِيَّةِ، كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُعْطَوْا قُوَّةَ التَّصَرُّفِ فِي خَزَائِنِ مُلْكِ اللهِ، وَهِيَ مَا لَمْ يُمَكِّنِ الْبَشَرَ مِنْ أَسْبَابِهِ فَيَكُونَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْكَسْبِيَّةِ، وَلَا أَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ أَيْضًا عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِيَّةِ. كَمَا أَظْهَرَهُمْ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُ الرِّسَالَةِ. وَنَفْيُ ادِّعَاءِ الرَّسُولِ لِكُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ يَتَضَمَّنُ التَّبَرُّؤَ مِنِ ادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ - كَمَا قِيلَ - أَوِ ادِّعَاءِ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْإِلَهِ وَهُوَ أَوْلَى وَيَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَاصٌّ بِالْإِلَهِ الَّذِي هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَقُدْرَتُهُ وَعِلْمُهُ صِفَتَانِ ذَاتِيَّتَانِ
لَهُ، وَيَتَضَمَّنُ بَيَانَ جَهْلِ الْمُشْرِكِينَ بِحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَحَقِيقَةِ الرِّسَالَةِ؛ إِذْ كَانُوا يَقْتَرِحُونَ عَلَى الرَّسُولِ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا وَرَاءِ الْأَسْبَابِ، وَمِنَ الْإِخْبَارِ بِمَا يَكُونُ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ كَانَ عِلْمُ الْغَيْبِ صِفَةً لَهُ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ، فَقَدْ سَأَلُوهُ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ، وَعَنْ وَقْتِ نُزُولِ الْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ بِهِمْ، وَعَنْ وَقْتِ نَصْرِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ عَلَيْهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الْغَيْبِ.
وَإِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى لَمْ يُؤْتِ الرُّسُلَ مَا لَمْ يُؤْتِ غَيْرَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ وَمَنْ عَلْمِ الْغَيْبِ، وَكَانَ كُلٌّ مِنَ التَّصَرُّفِ بِالْقُدْرَةِ الذَّاتِيَّةِ وَعِلْمِ الْغَيْبِ خَاصًّا بِهِ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ فِيهِ - فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ دَعْوَى التَّصَرُّفِ فِي الْكَوْنِ وَعِلْمِ الْغَيْبِ لِمَنْ هُمْ دُونَ الرُّسُلِ مَنْزِلَةً وَكَرَامَةً عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنَ الْمَشَايِخِ الْمَعْرُوفِينَ وَغَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ، حَتَّى صَارُوا يُدْعَوْنَ مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى لِمَا عَزَّ نَيْلُهُ بِالْأَسْبَابِ وَالسُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ " وَالدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ " كَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟ وَقَدْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ نَفْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَذَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْيِ ادِّعَاءِ الْإِلَهِيَّةِ وَبَيَانٌ لِكَوْنِ مَا اقْتَرَحُوهُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُ اللهِ تَعَالَى. فَضَلَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي فَهْمِ الرِّسَالَةِ وَجَعْلِهِمْ إِيَّاهَا شُعْبَةً مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ لَا يَزَالُ مُنْتَشِرًا فِي أَذْهَانِ النَّاسِ، حَتَّى بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ الْقُرْآنِ الْمُتَبَرِّكِينَ بِجِلْدِ مُصْحَفِهِ وَوَرَقِهِ وَبِالتَّغَنِّي بِهِ فِي الْمَآتِمِ وَغَيْرِهَا، الْجَاهِلِينَ بِمَا أُنْزِلَ لِبَيَانِهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى وَشُئُونِ رُبُوبِيَّتَهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَمِنْ حَقِيقَةِ الرِّسَالَةِ وَوَظِيفَةِ الرُّسُلِ، وَمِنْ مَعْنَى الْجَزَاءِ عَلَى الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ. دَعْ مَا دُونَ هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، إِذْ نَرَى بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْمَعْدُودِينَ فِي عُرْفِهِمْ وَعُرِفِ النَّاسِ مِنْ أَتْبَاعِ الْقُرْآنِ يَدَّعُونَ التَّصَرُّفَ فِي خَزَائِنِ اللهِ وَعَلْمِ الْغَيْبِ لِمَنْ دُونَ الرُّسُلِ كَمَا قُلْنَا آنِفًا.
وَمِنْ مَبَاحِثِ الْبَلَاغَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) أَنَّهُ أَعَادَ فِيهِ " لَا أَقُولُ لَكُمْ " وَلَمْ يَعِدْهَا فِي نَفْيِ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ نَفْيَ عِلْمِ الْغَيْبِ وَنَفْيَ التَّصَرُّفِ فِي خَزَائِنِ اللهِ يُؤَلِّفَانِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 355
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست