responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 342
السَّاعَةُ بِمُقَدِّمَاتِ أَهْوَالِهَا أَوْ مَا يَلِي الْبَعْثَ مِنْ خَزِينِهَا وَنَكَالِهَا، أَغَيْرَ اللهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَدْعُونَ أَمْ إِلَى غَيْرِهِ فِيهَا تَجْأَرُونَ؟ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي دَعْوَاكُمْ أُلُوهِيَّةِ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ أَوْلِيَاءَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُفَعَاءُ، أَوْ إِنْ كَانَ مِنْ شَأْنِكُمُ الصِّدْقُ فَأَخْبِرُونِي أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِذَا أَتَاكُمْ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحْلُو دُونَهُمَا الْأَمْرَيْنِ؟ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى كَوْنِ مُتَعَلَّقِ الِاسْتِخْبَارِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهَا: أَخْبِرُونِي إِنْ أَتَاكُمْ مَا ذُكِرَ، مَنْ تَدْعُونَ لِكَشْفِهِ، أَتَخُصُّونَ غَيْرَ اللهِ بِالدُّعَاءِ، كَمَا هُوَ شَأْنُكُمْ وَقْتَ الرَّخَاءِ؟ أَمْ تَخُصُّونَهُ وَحْدَهُ بِالدُّعَاءِ وَتَنْسَوْنَ مَا اتَّخَذْتُمْ مِنَ الشُّرَكَاءِ إِذْ يَضِلُّ عَنْكُمْ مَنْ تَرْجُونَ مِنَ الشِّفَاءِ؟ ثُمَّ أَجَابَ تَعَالَى عَنْهُمْ مُخْبِرًا إِيَّاهُمْ عَمَّا تَقْتَضِيهِ فِطْرَتُهُمْ فَقَالَ:
(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) أَيْ لَا تَدْعُونَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ غَيْرَهُ - لَا وَحْدَهُ وَلَا مَعَهُ - بَلْ تَخُصُّونَهُ وَحْدَهُ بِالدُّعَاءِ، فَيَكْشِفُ أَيْ يُزِيلُ مَا تَدْعُونَهُ إِلَى كَشْفِهِ إِنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَيْهِ دُونَ جَمِيعِ الْعِبَادِ، وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ الْآنَ مِنَ الشُّفَعَاءِ وَالْأَنْدَادِ؛ لِأَنَّ الْفَزَعَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ شِدَّةِ الضِّيقِ وَالْيَأْسِ مِنَ الْأَسْبَابِ مَرْكُوزٌ فِي فِطْرَةِ الْبَشَرِ، تَنْبَعِثُ إِلَيْهِ بِذَاتِهَا كَمَا تَنْبَعِثُ إِلَى طَلَبِ الْغِذَاءِ عِنْدَ الْجُوعِ مَثَلًا، فَلَا يَذْهَبُ بِهِ مَا يُتَلَقَّى بِالتَّعْلِيمِ الْبَاطِلِ مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ غَالِبًا إِلَّا مَنْ تَمَّ فَسَادُ فِطْرَتِهِ، وَانْتَهَتْ سَفَالَةُ طِينَتِهِ، حَتَّى كَانَ كَالْأَعْجَمِ، لَا يَفْهَمُ وَلَا يُفْهِمُ، وَإِنَّمَا مَثَلُ تَعَالِيمِ الشِّرْكِ مَعَ هَذِهِ الْغَرِيزَةِ الْفِطْرِيَّةِ كَمَثَلِ مَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحْكَامِ الطَّعَامِ الْبَاطِلَةِ مَعَ غَرِيزَةِ التَّغَذِّي، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ بَعْضَ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَيُبِيحُونَ بَعْضَ الْخَبَائِثِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ، فَيَجْنُونَ عَلَى غَرِيزَةِ التَّغَذِّي بِأَكْلِ هَذَا وَالْحِرْمَانِ مِنْ ذَاكَ، ثُمَّ يَأْكُلُونَ كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ كَذَلِكَ يَجْنُونَ عَلَى غَرِيزَةِ التَّوَجُّهِ إِلَى خَالِقِهِمْ وَخَالِقِ الْعَالَمِ كُلِّهِ بِمَا يَتَّخِذُونَ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالشُّفَعَاءِ الَّذِينَ يَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِمْ كَمَا يَتَوَجَّهُونَ إِلَى اللهِ وَيُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ، ذَلِكَ الْحُبُّ الَّذِي مَنْشَؤُهُ التَّقْدِيسُ وَاعْتِقَادُ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَسْبَابِ، فَإِنَّهُمْ عِنْدَ الشِّدَّةِ يَنْسَوْنَهَا وَيَدْعُونَ اللهَ وَحْدَهُ.
وَلِهَذَا الِاعْتِقَادِ وَمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الْحُبِّ وَالتَّعْظِيمِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ: أَسْفَلُهَا وَأَعْرَقُهَا فِي الْجَهْلِ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ أَنَّهُ هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي يَنْفَعُ وَيَضُرُّ بِذَاتِهِ فَيَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ وَيَدْعُوهُ وَيَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ حَتَّى عِنْدَ اشْتِدَادِ الْبَأْسِ بَاكِيًا مُتَضَرِّعًا ; لِأَنَّ غَرِيزَةَ الْإِيمَانِ بِالسُّلْطَةِ الْغَيْبِيَّةِ حُصِرَتْ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمَخْلُوقِ أَوْ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا تَلْقَى عَنْ قَوْمِهِ، وَهُوَ لَا يُفَكِّرُ فِي كَوْنِ ذَلِكَ مَعْقُولًا أَوْ غَيْرَ مَعْقُولٍ، وَيَلِي هَذِهِ الدَّرَجَةَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْإِلَهَ نَفْسَهُ قَدْ حَلَّ فِي بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ وَاتَّحَدَ بِهَا كَمَا تَحِلُّ الرُّوحُ فِي الْبَدَنِ وَتُدَبِّرُهُ فَيَكُونَانِ بِذَلِكَ شَيْئًا وَاحِدًا، وَالْفَصْلُ بَيْنَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ وَمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّ هَذِهِ مُفَرَّغَةٌ فِي قَالَبٍ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ الْفَلْسَفِيَّةِ،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 342
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست