responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 343
مُزَيَّنَةٌ بِحُلِيٍّ وَحُلَلٍ مِنَ التَّخَيُّلَاتِ الشِّعْرِيَّةِ، وَتِلْكَ سَاذَجَةٌ غُفْلٌ مِنَ الْفَلْسَفَةِ الْجَدَلِيَّةِ عُطْلٌ مِنَ الْمُزَيِّنَاتِ الْخَيَالِيَّةِ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّ مُنْتَحِلِيهِمَا يَعْبُدُونَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقَ الْمُدْرَكَ بِالْحَوَاسِّ وَيَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً حَتَّى عِنْدَ اشْتِدَادِ الْكَرْبِ وَالْبَأْسِ،
وَوَرَاءَهُمَا الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي هِيَ أَرْقَى دَرَجَاتِ الشِّرْكِ إِذْ هِيَ أَرَقُّهَا وَأَضْعَفُهَا، وَهِيَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءِ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءِ، الْمُتَصَرِّفِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ دُونِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَهُ وُسَطَاءُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ يُقَرِّبُونَهُمْ إِلَيْهِ زُلْفَى وَيَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْدَهُ، فَهُوَ لِأَجْلِهِمْ يُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيَضُرُّ وَيَنْفَعُ، وَيَغْفِرُ وَيَرْحَمُ، وَيُوجِدُ وَيُعْدِمُ، وَهَذِهِ هِيَ الدَّرَجَةُ الَّتِي ارْتَقَتْ إِلَيْهَا وَثَنِيَّةُ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، فَقَدْ حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِيمَا اتَّخَذُوهُ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى) (39: 3) (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ) (10: 18) فَلَمَّا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لَهُمْ تَأْثِيرًا وَوَسَاطَةً فِي أَفْعَالِ اللهِ تَعَالَى - كَدَفْعِ الضُّرِّ وَجَلْبِ النَّفْعِ - يَدْعُونَهُمْ وَيُعَظِّمُونَهُمْ لِأَجْلِهَا، كَانَ دُعَاؤُهُمْ وَتَعْظِيمُهُمْ إِيَّاهُمْ عِبَادَةً، إِذْ لَا مَعْنًى لِلْعِبَادَةِ إِلَّا هَذَا، وَلَمَّا كَانُوا عِنْدَهُمْ غَيْرَ مُسْتَقِلِّينَ بِذَلِكَ مِنْ دُونِ اللهِ، وَكَانَ اللهُ تَعَالَى - بِزَعْمِهِمْ - غَيْرَ فَاعِلٍ ذَلِكَ بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ الْأَزَلِيَّةِ مِنْ دُونِ شَفَاعَتِهِمْ وَوَسَاطَتِهِمْ - سُمُّوا شُرَكَاءَ لِلَّهِ.
وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الْخَالِصُ فَهُوَ الْإِيمَانُ الْجَازِمُ بِأَنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ الْأَزَلِيَّةِ الْمُنَزَّهَةِ عَنْ تَأْثِيرِ الْحَوَادِثِ فِيهَا، وَأَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ مُسَخَّرُونَ بِإِرَادَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ، خَاضِعُونَ لِسُنَنِهِ وَتَقْدِيرِهِ، لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ شَيْئًا إِلَّا فِي دَائِرَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَهَا بَيْنَهُمْ شَرَعَا، وَأَنَّ الْوَسَاطَةَ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ مَحْصُورَةٌ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ إِلَيْهِمْ دُونَ تَصَرُّفِهِ فِيهِمْ، وَأَنَّ شَفَاعَةَ الْآخِرَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، يَأْذَنُ لِمَنْ شَاءَ إِذَا شَاءَ بِمَا شَاءَ مِنَ الدُّعَاءِ لِمَنْ يَشَاءُ مِمَّنِ ارْتَضَى. وَمِنْ دَلَائِلِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى لِخَاتَمِ رُسُلِهِ: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (3: 128) (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (3: 154) (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ) (7: 188) (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مِنْ يَشَاءُ) (28: 56) (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللهِ وَرِسَالَاتِهِ) (72: 21 - 23) (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) (39: 44) (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) (2: 255) (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (21: 28) إِلَخْ. .
وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْوَسَاطَةُ الشِّرْكِيَّةُ وَهْمِيَّةً لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْوُجُودِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَقَالِيدُ
مَوْرُوثَةٌ كَانَ أُولَئِكَ الْأَذْكِيَاءُ جَدِيرِينَ بِأَنْ يَنْسَوْهَا إِذَا جَدَّ الْجَدُّ وَعَظُمَ الْخَطْبُ كَالْحَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ مَا دُونَهُمَا كَالْحَالَةِ الَّتِي بَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (29: 65)

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 343
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست