responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 468
وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أَيْ: يُؤَدُّونَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَمَا شَاءُوا مِنَ التَّطَوُّعِ، عَلَى أَقْوَمِ وَجْهٍ وَأَكْمَلِهِ فِي شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَآدَابِهَا، وَلَاسِيَّمَا الْخُشُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَثْرَةِ ذِكْرِهِ فِيهَا، وَمَا يُوجِبُهُ الْإِيمَانُ مِنْ حُضُورِ الْقَلْبِ فِي مُنَاجَاتِهِ، وَيُعْطُونَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِمْ لِمَنْ فُرِضَتْ لَهُمْ فِي الْآيَةِ السِّتِّينَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَمَا وُفِّقُوا لَهُ مِنَ التَّطَوُّعِ. وَفَائِدَةُ إِقَامَةِ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ مَعَ الْإِخْلَاصِ فِي الْإِيمَانِ قَدْ بَيَّنَهُ اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (70: 19 - 26) الْآيَاتِ. فَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ عِلَاجٌ لِمَا فِي جِبِلَّةِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْهَلَعِ وَالْجُبْنِ الْحَاجِمِ لَهُ عَنِ الْإِقْدَامِ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنَ الشُّحِّ الصَّادِّ لَهُ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ ; وَلِذَلِكَ كَانَ الْمُنَافِقُونَ أَجْبَنَ النَّاسِ وَأَبْخَلَهُمْ.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَرْبَعَ غَايَةً لِلْإِذْنِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُونَهُمْ وَيُعَادُونَهُمْ فِي الدِّينِ وَسَبَبًا لِنَصْرِهِمْ وَتَمْكِينِهِمْ فِي الْأَرْضِ بِالْمُلْكِ وَالسِّيَادَةِ ; إِذْ قَالَ بَعْدَ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْإِذْنِ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ (22: 41) وَبِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ الْفُتُوحَاتِ، وَدَانَتْ لَهُمُ الْأُمَمُ طَوْعًا، وَبِتَرْكِهَا سُلِبَ أَكْثَرُ مُلْكِهِمْ، وَالْبَاقِي عَلَى وَشْكِ الزَّوَالِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا إِلَى رَبِّهِمْ، وَيَرْجِعُوا إِلَى هِدَايَةِ دِينِهِمْ، وَلَاسِيَّمَا إِقَامَةِ هَذِهِ الْأَرْكَانِ مِنْهُ.
وَإِقَامَةُ الْمُؤْمِنِينَ لِلصَّلَاةِ يُقَابِلُ فِي صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ نِسْيَانَهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; لِأَنَّ رَوْحَ الصَّلَاةِ مُرَاقَبَةُ اللهِ تَعَالَى وَذِكْرُهُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَلَا فَائِدَةَ لَهَا بِدُونِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ (29: 45) أَيْ أَنَّ ذِكْرَهُ الَّذِي شُرِعَتِ الصَّلَاةُ لَهُ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ; إِذْ بِهِ يَسْتَحْكِمُ لِلْمُؤْمِنِ مَلَكَةَ الْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي جُمْلَةِ أَحْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ، فَيَنْتَهِي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكِرِ،
وَتَزْكُو نَفْسُهُ، وَتَعْلُو هِمَّتُهُ، وَتَكْمُلُ شَجَاعَتُهُ، وَيَتِمُّ سَخَاؤُهُ وَنَجْدَتُهُ ; وَلِذَلِكَ قَالَ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (87: 14 و15) وَقَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (20: 14) وَإِيتَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلزَّكَاةِ يُقَابِلُ فِي صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُ: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ (67) وَلَقَدْ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يُصَلُّونَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَكَانُوا يُزَكُّونَ وَيُنْفِقُونَ. وَلَكِنْ خَوْفًا أَوْ رِيَاءً لَا طَاعَةً لِلَّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا السِّيَاقِ: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 468
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست