responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 467
وَفِي سِيرَةِ الْخَنْسَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ أَنَّهَا كَانَتْ تُحَرِّضُ أَبْنَاءَهَا عَلَى الْقِتَالِ بِشِعْرِهَا كُلَّمَا قُتِلَ وَاحِدٌ، حَتَّى إِذَا مَا قُتِلَ الثَّالِثُ قَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِشَهَادَتِهِمْ. هَذَا شَأْنُ الْخَنْسَاءِ فِي الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ مِنْ أَرَقِّ النِّسَاءِ قَلْبًا، وَأَكْمَدِهِنَّ حُزْنًا، وَرِثَاؤُهَا لِأَخَوَيْهَا مَلَأَ أَنْدِيَةَ الْأَدَبِ شَجْوًا وَشَجَنًا. وَنُكْتَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فِي الْوَصْفِ الْمُتَقَابِلِ هُنَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا وِلَايَةَ بَيْنَهُمْ بِأُخُوَّةٍ تَبْلُغُ فَضِيلَةَ الْإِيثَارِ، وَلَا تَنَاصُرٍ يَبْلُغُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْقِتَالِ ; لِأَنَّ النِّفَاقَ شُكُوكٌ وَذَبْذَبَةٌ مِنْ لَوَازِمِهِمَا الْجُبْنُ وَالْبُخْلُ وَهُمَا الْخُلُقَانِ الْمَانِعَانِ مِنَ التَّنَاصُرِ، بِبَذْلِ النَّفْسِ وَالْمَالِ، بَلْ قِصَارَاهُ التَّعَاوُنُ بِالْكَلَامِ وَمَا لَا يَشُقُّ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ وِلَايَةُ التَّنَاصُرِ بِالْقِتَالِ لِأَصْحَابِ الْعَقَائِدِ الثَّابِتَةِ، وَالْمِلَّةِ الرَّاسِخَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَقًّا أَوْ بَاطِلَةً ; وَلِذَلِكَ أَثْبَتَهَا الْقُرْآنُ لِلْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِبَعْضٍ وَلِلْكُفَّارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَمْ يُثْبِتْهَا لِلْمُنَافِقِينَ الْخُلَّصِ بَعْضَهُمْ مَعَ بَعْضٍ، بَلْ كَذَّبَ مُنَافِقِي الْمَدِينَةِ فِي وَعْدِهِمْ لِلْيَهُودِ حُلَفَائِهِمْ بِنَصْرِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْمُؤْمِنِينَ إِذَا قَاتَلُوهُمْ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (59: 11، 12) فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فِي عَلَاقَةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَخُلَاصَتُهُ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُشْبِهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي شَكِّهِمْ وَارْتِيَابِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ وَآثَارِهِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فِي الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مِنْ أُخُوَّةٍ وَمَوَدَّةٍ وَتَعَاوُنٍ وَتَرَاحُمٍ، حَتَّى شَبَّهَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ جَمَاعَتَهُمْ بِالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، وَبِالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَوِلَايَةُ النُّصْرَةِ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، وَالْمِلَّةِ وَالْوَطَنِ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي آثَارِ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ الْمُضَادِّ لِمَا عَلَيْهِ الْمُنَافِقُونَ وَهُوَ مَا يُبَيِّنُهُ بَيَانًا مُسْتَأْنَفًا بِقَوْلِهِ: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ كَمَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مِنْ أَخَصِّ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي يَمْتَازُونَ بِهَا عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، هُمَا سِيَاجُ حِفْظِ الْفَضَائِلِ، وَمَنْعُ فُشُوِّ الرَّذَائِلِ، فَرَاجِعْ مَزَايَاهُمَا فِي تَفْسِيرِ: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (3: 104) وَقَدْ فَضَّلَ اللهُ تَعَالَى بِهِمَا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ فِي قَوْلِهِ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ (3: 110) الْآيَةَ وَوَرَدَ فِي فَرْضِيَّتِهِمَا وَفَوَائِدِهِمَا آيَاتٌ أُخْرَى وَأَحَادِيثُ حَكِيمَةٌ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 467
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست