responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 469
(4: 142) وَمَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا، وَالْمُقَارَنَةَ بَيْنَ صَلَاةِ الْمُؤْمِنِينَ وَصَلَاةِ الْمُنَافِقِينَ وَزَكَاتِهِمَا لَا يَفْقَهُ حِكْمَةَ اللهِ تَعَالَى فِي هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا الْفِقْهُ لَا يَجِدُهُ طَالِبُهُ فِيمَا يُسَمِّيهِ النَّاسُ كُتُبَ الْفِقْهِ، وَإِنْ زَعَمَ الْخَاسِرُونَ الْجَاهِلُونَ أَنَّهَا تُغْنِي عَنْ هِدَايَةِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْمُسْلِمِينَ فَائِدَةٌ مِنْهُ إِلَّا التَّعَبُّدُ بِتِلَاوَتِهِ، وَالتَّبَرُّكُ بِمَصَاحِفِهِ، وَكَذَا اتِّجَارُ بَعْضِ حُفَّاظِ أَلْفَاظِهِ بِتَغَنِّيهِمْ بِهِ! .
ثُمَّ قَالَ: وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أَيْ: يَسْتَمِرُّونَ عَلَى الطَّاعَةِ، بِتَرْكِ مَا نُهُوا عَنْهُ وَفِعْلِ مَا أُمِرُوا بِهِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَهُوَ يُقَابِلُ وَصْفَهُ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ هُمُ الْفَاسِقُونَ، فَإِنَّ الْفِسْقَ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ حَظِيرَةِ الطَّاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ يُقَابِلُ نِسْيَانَهُ تَعَالَى لِلْمُنَافِقِينَ وَلَعْنَهُ لَهُمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا فَسَّرْنَاهُمَا بِهِ آنِفًا. وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ تَعَالَى يَتَعَهَّدُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِرَحْمَتِهِ الْخَاصَّةِ الْمُسْتَمِرَّةِ فِي مُسْتَقْبَلِ أَمْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، بِاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَقَدْ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ: إِنَّ " السِّينَ " فِي مِثْلِ سَيَرْحَمُهُمُ لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ كَمَا أَنَّ " لَنْ " لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، وَكِلْتَاهُمَا لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
تَذْيِيلٌ لِتَعْلِيلِ هَذَا الْوَعْدِ الْمُؤَكَّدِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى عَزِيزٌ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ وَعْدِهِ، وَلَا مِنْ وَعِيدِهِ، وَحَكِيمٌ لَا يَضَعُ شَيْئًا مِنْهُمَا إِلَّا فِي مَوْضِعِهِ. وَلَوْلَا أَنَّ الْوَعْدَ هُنَا لِلْمُقَابَلَةِ بِالْوَعِيدِ الَّذِي قَبْلَهُ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَلَمَّا ذَكَرَ صِفَاتِهِمْ وَرَحِمَتَهُ لَهُمْ بِالْإِجْمَالِ، بَيْنَ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ الْمُفَسِّرِ لِرَحْمَتِهِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالتَّفْصِيلِ، فِي مُقَابَلَةِ مَا أَوْعَدَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ وَإِخْوَانَهُمِ الْكُفَّارَ تَفْسِيرًا لِنِسْيَانِهِ لَهُمْ، فَقَالَ: وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ الْآيَةُ نَصٌّ فِي مُسَاوَاةِ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ كُلِّهِ حَتَّى أَعْلَاهُ، بِالتَّبَعِ لِمُسَاهَمَتِهِنَّ لَهُمْ فِي التَّكْلِيفِ وَوِلَايَةِ الْإِيمَانِ، إِلَّا مَا خَصَّهُنَّ الشَّرْعُ بِهِ لِضَعْفِهِنَّ، وَانْفِرَادِهِنَّ بِوَظَائِفِهِنَّ الْخَاصَّةِ بِهِنَّ، إِذْ حَطَّ عَنْهُنَّ وُجُوبَ الْقِتَالِ، وَالصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ جَهِلَهُ أَوْ تَجَاهَلَهُ أَعْدَاؤُهُ الطَّغَامُ، وَالْجَنَّاتُ: الْبَسَاتِينُ الْمُلْتَفَّةُ الْأَشْجَارِ بِحَيْثُ تَجِنُّ الْأَرْضَ، أَيْ تُغَطِّيهَا وَتَسْتُرُهَا. وَجَرَيَانُ الْأَنْهَارِ مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا، مَزِيدٌ فِي جَمَالِهَا، وَمَانِعٌ مَنْ أُسُونِ مَائِهَا، وَالْخُلُودُ فِيهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْمُقَامِ الدَّائِمِ، وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ مِرَارًا.
وَأَمَّا الْمَسَاكِنُ الطَّيِّبَةُ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ فَهِيَ الدُّورُ وَالْخِيَامُ، الَّتِي يَطِيبُ لِسَاكِنِيهَا بِهَا الْمُقَامُ فِي ذَلِكَ الْمُقَامِ، لِاشْتِمَالِهَا عَلَى جَمِيعِ الْمَرَافِقِ وَالْأَثَاثِ وَالرِّيَاشِ وَالزِّينَةِ وَالرِّزْقِ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ رَاحَةُ الْمُقِيمِ فِيهَا وَغِبْطَتُهُ، وَمِنْهَا الْغُرُفَاتُ الَّتِي قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا: وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 469
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست