responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 457
إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (2: 14) أَيْ بِقَوْلِنَا لِلْمُؤْمِنِينَ آمَنَّا، كَمَا أَنَّ مَنْ يَحْتَرِمُ شَيْئًا أَوْ شَخْصًا أَوْ يُعَظِّمُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجْعَلُهُ مَوْضُوعَ الْخَوْضِ وَاللَّعِبَ، وَتَقْدِيمُ مَعْمُولِ فِعْلِ الِاسْتِهْزَاءِ عَلَيْهِ يُفِيدُ الْقَصْرَ وَالِاسْتِفْهَامُ عَنْهُ لِلْإِنْكَارِ التَّوْبِيخِيِّ، وَالْمَعْنَى: أَلَمْ تَجِدُوا مَا تَسْتَهْزِئُونَ بِهِ فِي خَوْضِكُمْ وَلَعِبِكُمْ إِلَّا اللهَ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولَهُ فَقَصَرْتُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، فَهَلْ ضَاقَتْ عَلَيْكُمْ جَمِيعُ مَذَاهِبِ الْكَلَامِ تَخُوضُونَ فِيهَا وَتَعْبَثُونَ دُونَهُمَا، ثُمَّ تَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ مَقْبُولٌ، فَتُدْلُونَ بِهِ بِلَا خَوْفٍ وَلَا حَيَاءٍ؟ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ أَيْ: قَدْ كَفَرْتُمْ بِهَذَا الْخَوْضِ وَاللَّعِبِ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، فَاعْتِذَارُكُمْ إِقْرَارٌ بِذَنْبِكُمْ، وَإِنَّمَا الِاعْتِذَارُ الْإِدْلَاءُ بِالْعُذْرِ، وَهُوَ بِالضَّمِّ مَا يُرَادُ بِهِ مَحْوُ الذَّنْبِ، وَتَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهِ، وَأَنْتُمْ قَدْ جِئْتُمْ بِمَا يُثْبِتُ الذَّنْبَ وَيَقْتَضِي الْعِقَابَ، أَوْ هُوَ كَمَا قِيلَ: " عُذْرٌ أَقْبَحُ مِنَ الذَّنْبِ " يُقَالُ: اعْتَذَرَ إِلَيَّ عَنْ ذَنْبِهِ فَعَذَرْتُهُ (مِنْ بَابِ ضَرَبَ) أَيْ: قَبِلْتُ عُذْرَهُ، وَرَفَعْتُ اللَّوْمَ عَنْهُ، وَهُوَ عَلَى الرَّاجِحِ الْمُخْتَارِ مَأْخُوذٌ مِنْ عَذَرَ الصَّبِيَّ يَعْذُرُهُ - أَيْ خَتَنَهُ، فَعَذْرُهُ - تَطْهِيرُهُ بِالْخِتَانِ، إِذْ هُوَ قَطْعٌ لِعَذْرَتِهِ أَيْ قُلْفَتِهِ الَّتِي تُمْسِكُ النَّجَاسَةَ.
(فَإِنْ قِيلَ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَكَفَرُوا بِهَذَا الِاسْتِهْزَاءِ الَّذِي سَمَّوْهُ خَوْضًا وَلَعِبًا، وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ الْكُفْرَ الَّذِي يُسِرُّونَهُ، هُوَ سَبَبُ الِاسْتِهْزَاءِ الَّذِي يُعْلِنُونَهُ. (قُلْنَا) كِلَاهُمَا حَقٌّ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا وَجْهٌ فَالْأَوَّلُ: بَيَانٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ حُكْمًا، فَإِنَّهُمُ ادَّعَوُا الْإِيمَانَ، فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ إِنَّمَا تُبْنَى عَلَى الظَّوَاهِرِ، وَالِاسْتِهْزَاءُ بِمَا ذُكِرَ عَمَلٌ ظَاهِرٌ يَقْطَعُ الْإِسْلَامَ وَيَقْتَضِي الْكُفْرَ، فَبِهِ صَارُوا كَافِرِينَ حُكْمًا، بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ حُكْمًا.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ هُوَ الْوَاقِعُ بِالْفِعْلِ، وَالْآيَةُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخَوْضَ فِي كِتَابِ اللهِ وَفِي رَسُولِهِ، وَفِي صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَجَعْلِهَا مَوْضُوعًا لِلَّعِبِ وَالْهُزُؤِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ الْمُسْلِمُ مِنَ الْمِلَّةِ، وَتُجْرَى عَلَيْهِ بِهِ أَحْكَامُ الرِّدَّةِ، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَيُجَدِّدَ إِسْلَامَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ الطَّائِفَةُ مُؤَنَّثُ الطَّائِفِ، مِنَ الطَّوْفِ أَوِ الطَّوَافِ حَوْلَ الشَّيْءِ، وَالطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ الْجَمَاعَةُ مِنْهُمْ، وَمِنَ الشَّيْءِ الْقِطْعَةُ مِنْهُ، يُقَالُ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، وَمِنَ الْعُمُرِ. وَأَعْطَاهُ طَائِفَةً مِنْ مَالِهِ، وَإِذَا أُرِيدَ بِالطَّائِفَةِ الْجَمَاعَةُ كَانَ أَقَلُّهَا ثَلَاثَةً عَلَى قَوْلِ
الْجُمْهُورِ فِي الْجَمْعِ. وَالْخِطَابُ هُنَا لِلْمُعْتَذِرِينَ أَوْ لِجُمْلَةِ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 457
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست