responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 458
كَالَّذِي قَبْلَهُ، فَالْمُرَادُ بِالْعَفْوِ وَالتَّعْذِيبِ مَا يَفْعَلُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْمَدِينَةِ، وَإِلَّا كَانَ الْمُرَادُ مَا سَيَكُونُ فِي الْآخِرَةِ، وَالْمَعْنَى: إِنَّنَا إِنْ نَعْفُ عَنْ بَعْضِكُمْ بِتَلَبُّسِهِمْ بِمَا يَقْتَضِي الْعَفْوَ، وَهُوَ التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ (وَمِنْهُمْ مَخْشِيُّ بْنُ حُمْيَرٍ) نُعَذِّبْ بَعْضًا آخَرَ بِاتِّصَافِهِمْ بِالْإِجْرَامِ وَرُسُوخِهِمْ فِيهِ، وَعَدَمِ تَحَوُّلِهِمْ عَنْهُ، أَيْ: بِالْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الْجَرَائِمِ الظَّاهِرَةِ، وَهَذَا التَّقْسِيمُ عَقْلِيٌّ إِذْ لَا يَخْلُو حَالُهُمْ مِنَ التَّوْبَةِ أَوِ الْإِصْرَارِ، فَمَنْ تَابَ مِنْ كُفْرِهِ وَنِفَاقِهِ عُفِيَ عَنْهُ، وَمَنْ أَصَرَّ عَلَيْهِ وَأَظْهَرَهُ عُوقِبَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَعِيدُ مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَمَعْنَاهُ هَذَا مَا سَنُنْفِذُ حُكْمَ الشَّرْعِ عَلَيْكُمْ بِهِ عِنْدَ الرُّجُوعِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَا تُقَامُ فِيهَا الْحُدُودُ وَأَمْثَالُهَا مِنَ الْأَحْكَامِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَفْوُ اللهِ وَتَعْذِيبُهُ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي أَنَّهُ إِنْ عَفَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَلَيْسَ بِتَارِكِ الْآخَرِينَ.
(فَإِنْ قِيلَ) إِنَّهُ بَيَّنَ سَبَبَ التَّعْذِيبِ وَهُوَ الْإِصْرَارُ عَلَى الْإِجْرَامِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا لِلْعَفْوِ، أَفَلَيْسَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لِمَحْضِ الْفَضْلِ؟ (قُلْنَا) إِنَّ مَا بَيَّنَهُ يَدُلُّ عَلَى مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ بِكُفْرِهِمْ. فَبَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا لِسَبَبِ تَعْذِيبِ بَعْضِهِمْ دَالٌّ عَلَى أَنَّ التَّعْذِيبَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ هَذَا السَّبَبِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِتَرْكِ النِّفَاقِ وَإِجْرَامِهِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُمَا، وَالْأَدِلَّةُ الْعَامَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى الْكُفْرِ لَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ، وَأَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى الذُّنُوبِ بَعْضُهُ يُنَفَّذُ وَبَعْضُهُ يُدْرِكُهُ الْعَفْوُ.
وَأَمَّا عَدَدُ مَنْ يَتُوبُ وَيُعْفَى عَنْهُ، وَعَدَدُ مَنْ يُصِرُّ وَيُعَاقَبُ بِالْفِعْلِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَا يُسَمَّى طَائِفَةً، وَإِنَّمَا يَكُونُ وَاحِدًا مِنَ الطَّائِفَةِ مُمَثِّلًا لَهَا، وَرُوِيَ عَنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ اسْتَهْزَئُوا بِاللهِ
وَبِرَسُولِهِ وَبِالْقُرْآنِ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمْ يُمَالِئْهُمْ فِي الْحَدِيثِ يَسِيرُ مُجَانِبًا لَهُمْ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ وَدِيعَةَ، فَنَزَلَتْ: إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً فَسُمِّيَ طَائِفَةً وَهُوَ وَاحِدٌ اهـ. وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الطَّائِفَةَ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْأَلْفِ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ - وَمَنْ زَعَمَ - أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ وَالنَّفَرِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنِ الْكَلْبِيِّ لَا تَقْتَضِيهِ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ سَنَدًا فَالْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ، وَلَا مَعْنَى لَهَا فَإِنَّ الَّذِي كَانَ يَسِيرُ مُجَانِبًا لَا يَتَنَاوَلُهُ وَعِيدُهُمْ، وَلَكِنَّ الْمُتَعَلِّقِينَ بِالرِّوَايَاتِ يُحَكِّمُونَهَا فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَحْكَامِ، أَفَلَا يُحَكِّمُونَهَا فِي اللُّغَةِ أَيْضًا فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْوَاحِدَ يُسَمَّى طَائِفَةً؟ وَقَدْ حَافَظَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى اللُّغَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالُوا: إِنَّ التَّاءَ فِي طَائِفَةٍ لِلْمُبَالَغَةِ، كَرَاوِيَةٍ لِكَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ هُنَا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 458
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست