responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 456
لَهُمْ يُقَالُ لَهُ مَخْشِيُّ بْنُ حُمْيَرٍ، كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى تَبُوكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتَحْسَبُونَ قِتَالَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ غَيْرِهِمْ، وَاللهِ لَكَأَنَّا بِكُمْ غَدًا تُقَادُونَ فِي الْحِبَالِ، قَالَ مَخْشِيُّ بْنُ حُمْيَرٍ: مَا وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاضِي، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مِثْلَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللهَ تَعَالَى نَبَّأَ رَسُولَهُ بِمَا كَانَ يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ فِي أَثْنَاءِ السَّيْرِ إِلَى تَبُوكَ، مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ بِتَصَدِّيهِ لِقِتَالِ الرُّومِ الَّذِينَ مَلَأَ صِيتُهُمْ بِلَادَ الْعَرَبِ، بِمَا كَانَ تُجَّارُهُمْ يَرَوْنَ مِنْ عَظَمَةِ مُلْكِهِمْ فِي الشَّامِ؛ إِذْ كَانُوا يَرْحَلُونَ إِلَيْهَا فِي كُلِّ صَيْفٍ. نَبَّأَهُ نَبَأً مُؤَكَّدًا بِصِيغَةِ الْقَسَمِ أَنَّهُ إِنْ سَأَلَهُمْ عَنْ أَقْوَالِهِمْ هَذِهِ يَعْتَذِرُونَ عَنْهَا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِيهَا جَادِّينَ وَلَا مُنْكِرِينَ، بَلْ هَازِلِينَ لَاعِبِينَ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ لِلتَّسَلِّي وَالتَّلَهِّي، وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ مَقْبُولٌ؛ لِجَهْلِهِمْ أَنَّ اتِّخَاذَ أُمُورِ الدِّينِ لَعِبًا وَلَهْوًا، لَا يَكُونُ إِلَّا مِمَّنِ اتَّخَذَهُ هُزُوًا، وَهُوَ كُفْرٌ
مَحْضٌ، وَيَغْفُلُ عَنْ هَذَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَخُوضُونَ فِي الْقُرْآنِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. كَمَا يَفْعَلُونَ إِذْ يَخُوضُونَ فِي أَبَاطِيلِهِمْ وَأُمُورِ دُنْيَاهُمْ، وَفِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَفَكَّهُونَ بِالتَّنَادُرِ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ " الْخَوْضُ " فِيمَا كَانَ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَوْضِ فِي الْبَحْرِ أَوْ فِي الْوَحْلِ، فَيُرَادُ بِهِ الْإِكْثَارُ، وَالتَّعَرُّضُ لِتَقَحُّمِ الْأَخْطَارِ، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ آيَةَ رَقَمِ (83) وَالْمَعَارِجِ آيَةَ رَقَمِ (42) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ وَقَالَ فِي سُورَةِ الطُّورِ: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (52: 11 و12) وَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (4: 140) وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْخِطَابَ فِيهَا لِكُلِّ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُنَافِقٍ، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا الْمُبْتَدِعُونَ الْمُحْدِثُونَ فِي الدِّينِ، وَالَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي الدَّاعِينَ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ لِاعْتِصَامِهِمْ بِهِمَا وَإِيثَارِهِمْ إِيَّاهُمَا عَلَى الْمَذَاهِبِ الْمُقَلِّدَةِ [رَاجِعْ ص377 ج 5 ط الْهَيْئَةِ] .
وَبَعْدَ أَنْ نَبَّأَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِمَا يَعْتَذِرُونَ بِهِ لَقَّنَهُ مَا يَرُدُّ بِهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْخَوْضَ وَاللَّعِبَ إِذَا كَانَ مَوْضُوعُهُ صِفَاتِ اللهِ وَأَفْعَالَهُ وَشَرْعَهُ وَآيَاتِهِ الْمُنَزَّلَةَ وَأَفْعَالَ رَسُولِهِ وَأَخْلَاقَهُ وَسِيرَتَهُ كَانَ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً بِهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِالشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنِ الِاسْتِخْفَافِ بِهِ، وَكُلُّ مَا يُلْعَبُ بِهِ فَهُوَ مُسْتَخَفٌّ بِهِ، وَقَدْ حَرَّرْنَا مَعْنَى اللَّفْظِ فِي تَفْسِيرِ مَا أَسْنَدَهُ تَعَالَى إِلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِشَيَاطِينِهِمْ:

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 456
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست