responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 455
هَذَا الْمَقَامِ مِنْ سِيَاقِ غَزْوَةِ تَبُوكَ. فَالِاسْتِهْزَاءُ دَأْبُهُمْ وَدَيْدَنُهُمْ، وَحَذَرُهُمْ مِنْ تَنْزِيلِ السُّورَةِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الِاسْتِهْزَاءِ، بَلْ مِنْ خَوْفِ عَاقِبَتِهِ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ أَمْرِهِمُ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَيْهِ مَعَ هَذَا الْحَذَرِ، وَأَمَّا أَمْرُهُمْ بِهِ فَهُوَ لِلتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ عَلَيْهِ، وَبَيَانِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِإِخْرَاجِهِ تَعَالَى مَا يَحْذَرُونَ ظُهُورَهُ مِنْ مُخَبَّآتِ سَرَائِرِهِمْ، وَمَكْتُوبَاتِ ضَمَائِرِهِمْ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِخْرَاجِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ الْخَفِيِّ الْمُسْتَتِرِ، أَوِ الْمُتَمَكِّنِ الْمُسْتَقِرِّ. وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ (47: 29) وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (47: 37) وَمِنْهُ إِخْرَاجُ الْمَوْتَى بِالْبَعْثِ. وَإِخْرَاجُ الْحَبِّ وَالنَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّنْزِيلِ كَثِيرٌ. وَمِنَ الثَّانِي النَّفْيُ مِنَ الْأَوْطَانِ وَالدِّيَارِ وَفِيهِ آيَاتٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ (22: 40) الْآيَةَ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى: مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُخْرِجُهُ الْآنَ بِتَنْزِيلِ هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي لَمْ تَدَعْ فِي قُلُوبِهِمْ شَيْئًا مِنْ مُخَبَّآتِ نِفَاقِهِمْ إِلَّا أَخْرَجَتْهُ وَأَظْهَرَتْهُ لَهُمْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ رُوِيَ فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ نَذْكُرُ أَمْثَلَهَا: أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي غَزْوَتِهِ إِلَى تَبُوكَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ أُنَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالُوا: أَيَرْجُو هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ وَحُصُونُهَا؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، فَأَطْلَعَ اللهُ نَبِيَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " احْبِسُوا عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الرَّكْبَ " فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: قُلْتُمْ كَذَا، قُلْتُمْ كَذَا. قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ مَا تَسْمَعُونَ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي مَسِيرِهِ
وَأُنَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَسِيرُونَ أَمَامَهُ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَلَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى مَا قَالُوا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ؟ فَقَالُوا: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ مَخْشِيُّ بْنُ حُمْيَرٍ: لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاضِي عَلَى أَنْ يُضْرَبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِائَةً عَلَى أَنْ نَنْجُوَ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: " أَدْرِكِ الْقَوْمَ فَإِنَّهُمْ قَدِ احْتَرَقُوا فَسَلْهُمْ عَمَّا قَالُوا، فَإِنْ هُمْ أَنْكَرُوا وَكَتَمُوا فَقُلْ: بَلَى قَدْ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا " فَأَدْرَكَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ فَجَاءُوا يَعْتَذِرُونَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ الْآيَةَ. فَكَانَ الَّذِي عَفَا اللهُ عَنْهُ مَخْشِيَّ بْنَ حُمْيَرٍ فَتَسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُقْتَلَ شَهِيدًا لَا يُعْلَمُ بِمَقْتَلِهِ، فَقُتِلَ بِالْيَمَامَةِ لَا يُعْلَمُ مَقْتَلُهُ وَلَا مَنْ قَتَلَهُ وَلَا يُرَى لَهُ أَثَرٌ وَلَا عَيْنٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِيهِمْ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ حَلِيفٌ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 455
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست