responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 388
وَإِبْطَالًا لِمَا كَانَ فِي شُعُوبٍ أُخْرَى كَالْهُنُودِ مِنْ جَعْلِ النَّاسِ طَبَقَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ بِالتَّحَكُّمِ وَالتَّوَارُثِ وَهُوَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَبْعُوثٌ إِلَى الْجَمِيعِ وَلِإِصْلَاحِ الْجَمِيعِ - فَإِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، وَأَقَرَّتْهُ شَرِيعَةُ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ لِخَاتَمِ رُسُلِهِ مَنْ تُفَاضِلِ أَفْرَادِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ وَمَعَالِي الْأَخْلَاقِ: 30 إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ (49: 13) وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً (4: 95 و96) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ (20) إِلَخْ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَرَدَ فِي فَضَائِلِ الْهِجْرَةِ آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَوَّلُ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَنَّهُ امْتَازَ بِهِجْرَتِهِ مَعَ الرَّسُولِ نَفْسِهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَرَغْبَتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ قَبْلِ الْإِذْنِ الْإِلَهِيِّ لَهُ، إِذْ مَنَعَ أَبَا بَكْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَحْدَهُ انْتِظَارًا مِنْهُ لِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى لَهُ بِهِجْرَتِهِ مَعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ - فَلَا غَرْوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ كُلُّ مَا عَلِمْنَا مِنَ الْمَزَايَا فِي الْهِجْرَةِ، وَأَنْ يَكُونَ بِهَا أَفْضَلُ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ سَيِّدِ الْمُهَاجِرِينَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَأَنْ تَكُونَ صُحْبَتُهُ أَفْضَلُ
وَأَكْمَلُ مِنْ صُحْبَةِ غَيْرِهِ، وَفِي قَوْلِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي حَدِيثِ مُغَاضَبَةِ عَمَرَ لَهُ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: " فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي " إِشْعَارٌ بِأَنَّ الصَّاحِبَ الْأَكْمَلَ لَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَهُوَ قَدْ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا أَضَافَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، إِذِ الْإِضَافَةُ هُنَا كَالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ (17: 1) إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَاخْتِصَاصٍ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ عَبِيدُ اللهِ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (19: 93) وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِنَّ مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ لِلرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ عَنِ الْإِسْلَامِ؛ لِتَكْذِيبِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَهَاتَانِ مَنْقَبَتَانِ فِي الصُّحْبَةِ وَالْهِجْرَةِ جَعَلْنَاهُمَا وَاحِدَةً، وَقَدْ يُثَلِّثُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حِينَ وَصَلَ إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَآهُ مَعَهُ جَمَاعَةُ الْأَنْصَارِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَوَّلَ جَمَاعَةٍ، وَأَوَّلُ جُمُعَةٍ ظَهَرَتْ بِهَا شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ.
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) حِكَايَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: لَا تَحْزَنْ فَكَوْنُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُعْنَى بِتَسْلِيَتِهِ وَطَمْأَنَتِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَإِخْبَارُ اللهِ بِذَلِكَ فِيمَا يُتَعَبَّدُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَمْرٌ أَعْظَمُ، وَنَاهِيكَ بِتَعْلِيلِهِ بِمَا عَلَّلَهُ بِهِ مِنْ مَعِيَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا. وَهَذَا النَّهْيُ عَنِ الْحُزْنِ لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الْقُرْآنِ خِطَابًا مِنْ قَبْلِهِ تَعَالَى إِلَّا لِلنَّبِيِّ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 388
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست