responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 274
اسْتَغْرَقَ مَمَالِكَ كَانَتْ تُفَاخِرُ أَهْلَ السَّمَاءِ فِي رِفْعَتِهَا، وَتَعْلُو أَهْلَ الْأَرْضِ بِمَدَنِيَّتِهَا، زَلْزَلَ هَدِيرُهُ عَلَى لِينِهِ مَا كَانَ اسْتَحْجَرَ مِنَ الْأَرْوَاحِ فَانْشَقَّتْ
عَنْ مَكْنُونِ سِرِّ الْحَيَاةِ فِيهَا.
" قَالُوا: كَانَ لَا يَخْلُو مِنْ غَلَبٍ (بِالتَّحْرِيكِ) . قُلْنَا: تِلْكَ سُنَّةُ اللهِ فِي الْخَلْقِ، لَا تَزَالُ الْمُصَارَعَةُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالرُّشْدِ وَالْغَيِّ قَائِمَةً فِي هَذَا الْعَالَمِ إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللهُ قَضَاءَهُ فِيهِ.
" إِذْ سَاقَ اللهُ رَبِيعًا إِلَى أَرْضٍ جَدْبَةٍ لِيُحْيِيَ مَيْتَهَا، وَيَنْقَعَ غَلَّتَهَا، وَيُنَمِّيَ الْخِصْبَ فِيهَا، أَفَيُنْقِصُ مِنْ قَدْرِهِ إِنْ أَتَى فِي طَرِيقِهِ عَلَى عَقَبَةٍ فَعَلَاهَا، أَوْ بَيْتٍ رَفِيعِ الْعِمَادِ فَهَوَى بِهِ؟ اهـ ".
هَذَا بَعْضُ مَا بَيَّنَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ مِنَ الْوِجْهَةِ الدِّينِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، ثُمَّ مِنَ الْوِجْهَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ كُلِّهَا أَنَّ هَذَا الْجِهَادَ وَالْقِتَالَ لِدَفْعِ الِاعْتِدَاءِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الدِّينِ أَوِ الْوَطَنِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَتُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعُ شَرَائِعِ أُمَمِ الْإِفْرِنْجِ كُلِّهَا، وَيَعْذُرُونَ كُلَّ أُمَّةٍ فُقِدَ مِنْ وَطَنِهَا شَيْءٌ، إِذَا هِيَ ظُنَّتْ تَسْتَعِدُّ لِاسْتِعَادَتِهِ إِلَى أَنْ تَظْهَرَ بِذَلِكَ كَمَا فَعَلَتْ فَرَنْسَةُ بِاسْتِعَادَةِ وِلَايَتِيِ الْأَلْزَاسِ وَاللُّورِينَ مِنْ أَلْمَانْيَا فِي الْحَرْبِ الْأَخِيرَةِ، وَكَانَتِ انْتَزَعَتْهُمَا مِنْهَا مُنْذُ نِصْفِ قَرْنٍ وَنَيِّفٍ وَرَبَّتْ أَهْلَهُمَا تَرْبِيَةً أَلْمَانِيَّةً، وَفِي أَهْلِهِمَا كَثِيرُونَ مِنَ الْعِرْقِ الْأَلْمَانِيِّ، وَيُقَالُ: إِنَّ السَّوَادَ الْأَعْظَمَ مِنْ سُكَّانِهَا الْآنَ يُفَضِّلُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِلدَّوْلَةِ الْأَلْمَانِيَّةِ وَلَكِنَّهُ مَقْهُورٌ مَغْلُوبٌ عَلَى أَمْرِهِ.
وَلَمَّا كَانَ تَفْسِيرُنَا هَذَا تَفْسِيرًا عِلْمِيًّا عَمَلِيًّا أَثَرِيًّا عَصْرِيًّا وَجَبَ عَلَيْنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ نُبَيِّنَ حَالَ مُسْلِمِي عَصْرِنَا فِيهِ مَعَ مُغْتَصِبِي بِلَادِهِمْ، وَالْجَانِينَ عَلَى دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ; لِيَكُونَ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ وَالْعِلْمِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنَ التَّنَازُعِ وَالتَّخَاصُمِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُمَا فَيَجِدُوا لَهُ صُلْحًا مُعْتَدِلًا إِنْ أَمْكَنَ الصُّلْحُ بِالِاخْتِيَارِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَلْيَنْتَظِرُوا حُكْمَ الْأَقْدَارِ، فِيمَا لِسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ مِنَ الْأَطْوَارِ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
(3: 140) .
فَصْلٌ
(فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْعَدْلِ، وَدَارِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ، وَحُقُوقِ الْأَدْيَانِ وَالْأَقْوَامِ فِي هَذَا الْعَصْرِ)
جَرَى اصْطِلَاحُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَسْمِيَةِ الْبِلَادِ الَّتِي تَنْتَظِمُ فِي سِلْكِ دَوْلَتِهِمْ، وَتُنَفَّذُ فِيهَا شَرِيعَتُهُمْ " دَارَ الْإِسْلَامِ وَدَارَ الْعَدْلِ "، لِأَنَّ الْعَدْلَ وَاجِبٌ فِيهَا فِي جَمِيعِ أَهْلِهَا بِالْمُسَاوَاةِ، وَيُسَمُّونَ مَا يُقَابِلُهَا " دَارَ الْحَرْبِ " وَلِكُلٍّ مِنْهَا أَحْكَامٌ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِهِمْ، وَيُسَمَّى أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ " الْحَرْبِيِّينَ " إِنْ كَانُوا مُعَادِينَ مُقَاتِلِينَ لِلْمُسْلِمِينَ، " وَالْمُعَاهَدِينَ " إِنْ كَانَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ عَلَى السِّلْمِ وَحُرِّيَّةِ الْمُعَامَلَةِ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ سُمُّوا الْبُغَاةَ، فَإِنْ أَسَّسُوا حُكُومَةً تَغَلَّبُوا بِهَا عَلَى بَعْضِ الْبِلَادِ سُمُّوا الْمُتَغَلِّبِينَ أَوِ الْمُتَغَلِّبَةَ، وَتُسَمَّى دَارُ الْإِسْلَامِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ بِـ " دَارِ الْعَدْلِ " وَلِكُلِّ دَارٍ أَحْكَامٌ، فَأَيْنَ دَارُ الْإِسْلَامِ؟ .

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 274
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست