responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 275
تَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّ " الْحَرْبِيِّينَ " إِذَا هَاجَمُوا دَارَ الْإِسْلَامِ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا صَارَ الْقِتَالُ فَرْضًا عَيْنِيًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا أَعْلَنَ الْإِمَامُ النَّفِيرَ الْعَامَّ وَجَبَ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُطِيعَهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَبِمَالِهِ، وَتَجِبُ طَاعَتُهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى كَأَنْ يَسْتَنْفِرَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَيَفْرِضَ الْمَالَ النَّاطِقَ وَالصَّامِتَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ، عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ مِنْ مُرَاعَاةِ الْعَدْلِ. وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ الَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ الدُّوَلُ الْأُورُوبِّيَّةُ وَغَيْرُهَا فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَإِنَّمَا أَعَدْنَا ذِكْرَهُ لِنُذَكِّرَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعَارِفِينَ بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَطُولَ بَعْدَ أَنِ اسْتَيْقَظَ الْعَالَمُ الْإِسْلَامِيُّ كَغَيْرِهِ مِنْ شُعُوبِ الشَّرْقِ مِنْ رُقَادِهِ الطَّوِيلِ، وَطَفِقَ يَبْحَثُ فِي مَاضِيهِ وَحَاضِرِهِ، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي مُسْتَقْبَلِهِ، وَهَاتِفُ الْإِيمَانِ يَهْتِفُ فِي أَعْمَالِ سَرِيرَتِهِ مُذَكِّرًا إِيَّاهُ بِمَا أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَيْهِ مِنْ إِعَادَةِ تِلْكَ الدَّارِ الْوَاسِعَةِ، أَوِ الْمَمَالِكِ الشَّاسِعَةِ،
وَإِقَامَةِ تِلْكَ الشَّرِيعَةِ الْعَادِلَةِ، وَإِحْيَاءِ تِلْكَ الْهِدَايَةِ الشَّامِلَةِ لِتُضِيءَ لِلْبَشَرِ الطَّرِيقَ لِلْخُرُوجِ مِنْ ظُلُمَاتِ هَذَا الِاضْطِرَابِ النَّفْسِيِّ، وَالْفَوْضَى الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَالسَّرَفِ الشَّهْوَانِيِّ، الَّتِي أَحْدَثَتْهَا الْأَفْكَارُ الْمَادِّيَّةُ وَنَزَعَاتُ الْإِلْحَادِ وَالْحُكْمُ الْبُلْشُفِيُّ الَّذِي هُوَ شَرُّ نَتَائِجِهَا، فَقَدْ عَجَزَتْ بَقَايَا هِدَايَةِ النَّصْرَانِيَّةِ عَنْ صَدِّ غِشْيَانِ هَذِهِ الظُّلُمَاتِ لِأَعْظَمِ مَمَالِكِهَا، بَعْدَ أَنْ ثَارَتْ سُحُبُهَا مِنْ أُفُقِ مَدَارِسِهَا، فَكَيْفَ تَقْوَى عَلَى تَقْشِيعِ هَذِهِ السُّحُبِ بَعْدَ تَكَاثُفِهَا، وَقَدْ كَانَتْ هِيَ نَفْسُهَا مِنْ أَسْبَابِ حُدُوثِهَا؟ .
هَذَا مَا يُفَكِّرُ فِيهِ خَوَاصُّ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْعَهْدِ وَيُشَارِكُهُمُ الدَّهْمَاءُ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ أَنَّهُ دِينُ سِيَادَةٍ وَسُلْطَانٍ وَتَشْرِيعٍ، وَحُكُومَةٍ شُورِيَّةٍ يَحْمِيهَا نِظَامٌ حَرْبِيٌّ جَامِعٌ بَيْنَ الْقُوَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ، وَأَنَّهُ قَدِ اعْتَدَى عَلَيْهِ الْفَاتِحُونَ الْمُسْتَعْمِرُونَ فَسَلَبُوا مَمَالِكَهُ الْعَامِرَةَ الْخِصْبَةَ أَوَّلًا، ثُمَّ هَاجَمُوهُ فِي مَهْدِ وِلَادَتِهِ، وَبَيْتِ تَرْبِيَتِهِ، وَمَعْقِلِ قُوَّتِهِ (وَهُوَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ) حَتَّى وَصَلَ عُدْاوَنُهُمْ إِلَى مَشْرِقِ نُورِهِ، وَقِبْلَةِ صَلَاتِهِ، وَمَشَاعِرِ نُسُكِهِ، وَرَوْضَةِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ (وَهُوَ الْحِجَازُ) حَيْثُ حَرَمُ اللهِ وَحَرَمُ رَسُولِهِ، بِاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى السِّكَّةِ الْحَدِيدِيَّةِ الْحِجَازِيَّةِ فِي سُورِيَةَ وَفِلَسْطِينَ، وَبِمَا أَلْحَقُوهُ بِشَرْقِ الْأُرْدُنِّ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ نَفْسِهَا.
كَانَ الْمُعْتَدُونَ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ يَحْسِبُونَ كُلَّ حِسَابٍ لِقِيَامِ الْمُسْلِمِينَ بِنَهْضَةٍ عَامَّةٍ بَاسِمِ (الْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ) لِاسْتِعَادَةِ مَا سُلِبَ مِنْهُمْ، وَكَانُوا يَحْسِبُونَ كُلَّ حِسَابٍ لِتَعَلُّقِهِمْ بِالدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَقَدِ اعْتَرَفُوا لَهَا بِمَنْصِبِ (الْخِلَافَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ) فَمَا زَالُوا يُجَاهِدُونَ هَذِهِ الْخِلَافَةَ وَتِلْكَ الْجَامِعَةَ بِأَنْوَاعِ الْجِهَادِ الْمُقَرَّرِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَهِيَ: السَّيْفُ، وَالْمَالُ، وَاللِّسَانُ، وَالْقَلَمُ (أَيِ الْعِلْمُ) حَتَّى صَرَفُوا وُجُوهَ الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَنِ الْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ إِلَى الْجَامِعَتَيْنِ الْجِنْسِيَّةِ وَالْوَطَنِيَّةِ، وَهَدَمُوا هَيْكَلَ الْخِلَافَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ بِأَيْدِي حُمَاتِهَا مِنَ التُّرْكِ أَنْفُسِهِمْ، وَدَفَعُوا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 275
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست