responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 273
ضَمَّ الْإِسْلَامُ سُكَّانَ الْقِفَارِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى وَحْدَةٍ، وَلَمْ يَعْرِفْهَا تَارِيخُهُمْ، وَلَمْ يُعْهَدْ لَهَا نَظِيرٌ فِي مَاضِيهِمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَتَهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ إِلَى مَنْ جَاوَرَ الْبِلَادَ الْعَرَبِيَّةَ فِي مُلُوكِ الْفُرْسِ وَالرُّومَانِ، فَهَزِئُوا وَامْتَنَعُوا، وَنَاصَبُوهُ وَقَوْمَهُ الشَّرَّ، وَأَخَافُوا السَّابِلَةَ، وَضَيَّقُوا عَلَى الْمَتَاجِرِ، فَغَزَاهُمْ بِنَفْسِهِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِمُ الْبُعُوثَ فِي حَيَاتِهِ، وَجَرَى عَلَى سُنَّتِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ صَحَابَتِهِ، طَلَبًا لِلْأَمْنِ وَإِبْلَاغًا لِلدَّعْوَةِ ".
ثُمَّ ذَكَرَ سِيرَتَهُمُ الْعَادِلَةَ الرَّحِيمَةَ فِي حَرْبِهِمْ ثُمَّ فِي سِلْمِهِمْ، وَمَا أَثْمَرَتْهُ مِنْ سُرْعَةِ انْتِشَارٍ وَقَفَّى عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ (ص211) : " قَالَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَفْهَمَهُ: إِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَطُفْ عَلَى قُلُوبِ الْعَالَمِ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ إِلَّا بِالسَّيْفِ، فَقَدْ فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ دِيَارَ غَيْرِهِمْ وَالْقُرْآنُ بِإِحْدَى الْيَدَيْنِ وَالسَّيْفُ بِالْأُخْرَى، يَعْرِضُونَ الْقُرْآنَ عَلَى الْمَغْلُوبِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ فَصَلَ السَّيْفُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَيَاتِهِ.
" سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ. مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ مَنْ دَخَلُوا تَحْتَ سُلْطَانِهِمْ، هُوَ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ تَوَاتُرًا صَحِيحًا لَا يَقْبَلُ الرِّيبَةَ فِي جُمْلَتِهِ، وَإِنْ وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي تَفْصِيلِهِ، وَإِنَّمَا شَهَرَ الْمُسْلِمُونَ سُيُوفَهُمْ دِفَاعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكَفًّا لِلْعُدْوَانِ عَنْهُمْ، ثُمَّ كَانَ الِافْتِتَاحُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَةِ الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ غَيْرِهِمْ إِلَّا أَنَّهُمْ جَاوَرُوهُمْ وَأَجَارُوهُمْ، فَكَانَ الْجِوَارُ طَرِيقَ الْعِلْمِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَتِ الْحَاجَةُ لِصَلَاحِ الْعَقْلِ وَالْعَمَلِ دَاعِيَةَ الِانْتِقَالِ إِلَيْهِ ".
ثُمَّ كَتَبَ كَلِمَةً بَلِيغَةً فِي بَيَانِ مَا كَانَ مِنْ فُتُوحَاتِ النَّصَارَى الْأُورُبِّيِّينَ، وَنَشْرِهِمْ لِدِينِهِمْ بِالْقَهْرِ وَالتَّقْتِيلِ، وَإِبَادَةِ الْمُخَالِفِينَ مُدَّةَ عَشَرَةِ قُرُونٍ كَامِلَةٍ، لَمْ يَبْلُغِ السَّيْفُ مِنْ كَسْبِ عَقَائِدِ الْبَشَرِ فِيهَا مَا بَلَغَهُ انْتِشَارُ الْإِسْلَامِ فِي أَقَلَّ مِنْ قَرْنٍ. وَنَقُولُ نَحْنُ أَيْضًا: إِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ التَّارِيخِ بِالضَّرُورَةِ لِكُلِّ مُطَّلِعٍ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَرَبَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْقَرْنِ مِنَ الْقُوَّةِ الْعَدَدِيَّةِ وَالْآلِيَّةِ، وَلَا مِنْ سُهُولَةِ الْمُوَاصَلَاتِ مَا يُمَكِّنُهُمْ مِنْ قَهْرِ الشُّعُوبِ الَّتِي فَتَحُوا بِلَادَهَا عَلَى تَرْكِ دِينِهَا، وَلَا عَلَى قَبُولِ سِيَادَةِ شَعْبٍ كَالشَّعْبِ الْعَرَبِيِّ كَانَ دُونَهَا فِي حَضَارَتِهَا وَقُوَّتِهَا، فَهُمْ لَمْ يَخْضَعُوا لِلْمُسْلِمِينَ وَيَدِينُوا بِدِينِهِمْ، وَيَتَعَلَّمُوا لُغَتَهُمْ إِلَّا لِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ أَنَّ دِينَهُمْ هُوَ دِينُ الْحَقِّ الْمُوَصِّلُ لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ - أَوْ مِنْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْحُكَّامِ وَأَعْدَلُهُمْ.
ثُمَّ أَشَارَ الْأُسْتَاذُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْإِسْلَامِ فِيمَا سَمَّاهُ الْفَتْحَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ ضَرُورَةُ الْمُلْكِ، أَوِ الْحَرْبَ الَّتِي يَقُولُ عُلَمَاءُ أُورُبَّةَ: إِنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ، تَقْتَضِيهَا الضَّرُورَةُ وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ فِي مُقَابَلَةِ غَوَائِلِهَا الْكَثِيرَةِ، فَقَالَ مَا نَصُّهُ (ص212) : " جَلَّتْ حِكْمَةُ اللهِ فِي أَمْرِ هَذَا الدِّينِ، سَلْسَبِيلُ حَيَاةٍ نَبَعَ فِي الْقِفَارِ الْعَرَبِيَّةِ، أَبْعَدِ بِلَادِ اللهِ عَنِ الْمَدَنِيَّةِ، فَاضَ حَتَّى شَمِلَهَا فَجَمَعَ شَمْلَهَا فَأَحْيَاهَا حَيَاةً شَعْبِيَّةً مَلِيَّةً، عَلَا مَدُّهُ حَتَّى

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 273
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست