responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 305
أَنْ يَكُونُوا مِنَ النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ أَبْنَائِهِمْ يُرَبُّونَهُمْ تَرْبِيَةً دِينِيَّةً دُنْيَوِيَّةً؛ لِئَلَّا يَفْسُدُوا وَيَفْسُدَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ، فَيَنْتَشِرُ الْفَسَادُ فِي الْأُمَّةِ فَتَنْحَلُّ انْحِلَالًا، فَالْعِنَايَةُ بِتَرْبِيَةِ الْيَتَامَى هِيَ الذَّرِيعَةُ لِمَنْعِ كَوْنِهِمْ قُدْوَةً سَيِّئَةً لِسَائِرِ الْأَوْلَادِ. وَالتَّرْبِيَةُ لَا تَتَيَسَّرُ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْقُدْوَةِ، فَإِهْمَالُ الْيَتَامَى إِهْمَالٌ لِسَائِرِ أَوْلَادِ الْأُمَّةِ.
أَمَّا الْمَسَاكِينُ فَلَا يُرَادُ بِهِمْ هَؤُلَاءِ السَّائِلُونَ الشَّحَّاذُونَ الْمُلْحِفُونَ الَّذِينَ يَقْدِرُونَ عَلَى كَسْبِ مَا يَفِي بِحَاجَاتِهِمْ، أَوْ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ وَلَوْ لَمْ يَكْتَسِبُوا، إِلَّا أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا السُّؤَالَ حِرْفَةً، يَبْتَغُونَ بِهَا الثَّرْوَةَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْمَلُونَ عَمَلًا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ كَسْبٍ يَكْفِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) فَهُوَ كَلَامٌ جَدِيدٌ لَهُ شَأْنٌ مَخْصُوصٌ، وَلِذَلِكَ تَغَيَّرَ فِيهِ الْأُسْلُوبُ، فَلَمْ يَرِدْ عَلَى النَّسَقِ الَّذِي قَبْلَهُ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْمِيثَاقِ، فَإِنَّهُ بَيَّنَ فِيمَا سَبَقَ الْحُقُوقَ الْعَمَلِيَّةَ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْإِحْسَانِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُحْسِنَ الْإِنْسَانُ بِالْفِعْلِ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَامِلَ جَمِيعَ النَّاسِ، فَالَّذِينَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُعَامَلَتِهِمْ هُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَنْشَأُ فِيهِمْ وَيَتَرَبَّى بَيْنَهُمْ، فَجَاءَ النَّصُّ بِوُجُوبِ الْإِحْسَانِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ لِتَصْلُحَ بِذَلِكَ حَالُ الْبُيُوتِ.
ثُمَّ إِنَّ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ مِنْ قَوْمِهِ هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْ إِحْسَانِهِ وَإِحْسَانِ أَمْثَالِهِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيَمَ لِلْأَوَّلِينَ، وَلَا غَنَاءَ عِنْدَ الْآخِرِينَ، فَفَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا مِنْهُ. ثُمَّ بَعْدَ بَيَانِ مَا بِهِ إِصْلَاحُ الْبُيُوتِ مِنْ إِعَانَةِ الْأَقْرَبِينَ، وَمَا بِهِ صَلَاحُ بَعْضِ الْعَامَّةِ مِنْ مَعُونَةِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ عَلَى إِصْلَاحِ بُيُوتِهِمْ، بَقِيَ بَيَانُ حُقُوقِ سَائِرِ الْأُمَّةِ، وَهِيَ النَّصِيحَةُ لَهُمْ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِيهِمْ، فَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مُجَرَّدَ التَّلَطُّفِ بِالْقَوْلِ وَالْمُجَامَلَةِ فِي الْخِطَابِ، فَالْحُسْنُ هُوَ النَّافِعُ فِي الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ عَمَّا ذَكَرْنَا، فَلَمَّا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْحُقُوقِ مُسْتَقِلًّا بِذَاتِهِ جَاءَ بِأُسْلُوبٍ آخَرَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْقِيَامِ بِهَذِهِ الْفَرَائِضِ إِصْلَاحَ الْأُمَّةِ كُلِّهَا.
جَاءَ الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ مُجْمَلًا لِيَعْلَمَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا
بِحَسْبِ الطَّاقَةِ، وَلَكِنْ مِنَ الْعِبَادَةِ مَا لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ إِلَّا بِهِدَايَةٍ إِلَهِيَّةٍ، وَأَكْبَرُ ذَلِكَ النَّوْعِ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ لِإِصْلَاحِ نُفُوسِ الْأَفْرَادِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ لِإِصْلَاحِ شُئُونِ الِاجْتِمَاعِ؛ لِذَلِكَ قَالَ - تَعَالَى - بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) ، وَإِنَّمَا إِقَامَةُ الصَّلَاةِ بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَالصِّدْقِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ وَالْخُشُوعِ لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَالِاسْتِكَانَةِ لِعِزِّ سُلْطَانِهِ، وَلَا تَكُونُ بِمُجَرَّدِ الْإِتْيَانِ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ وَرُسُومِهَا الظَّاهِرَةِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَمَا وَصَفَهُمْ بِالتَّوَلِّي وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُمْ مَا أَعْرَضُوا عَنْ صُورَةِ الصَّلَاةِ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي ذَكَّرَهُمْ فِيهِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَإِلَى هَذَا الْيَوْمِ أَيْضًا. وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَحْبَارِهِمْ يَزْعُمُ أَنَّهَا تِلْكَ الْمُحْرَقَاتُ وَالْقَرَابِينُ الْمَفْرُوضَةُ لِتَكْفِيرِ الْخَطَايَا أَوْ شُكْرِ اللهِ - تَعَالَى - عَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنْ مِصْرَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 305
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست