responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 306
فَإِنَّ لَهُمْ زَكْوَاتٍ مَالِيَّةٍ، مِنْهَا مَالٌ مَخْصُوصٌ يُؤَدَّى لِآلِ هَارُونَ وَهُوَ إِلَى الْآنِ فِي (اللَّاوِيِّينَ) ، وَمِنْهَا مَالٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَمِنْهَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ، وَمِنْهَا سَبْتُ الْأَرْضِ، وَهُوَ تَرْكُهَا فِي كُلِّ سَبْعِ سِنِينَ مَرَّةً بِلَا حَرْثٍ وَلَا زَرْعٍ، وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ، فَهُوَ صَدَقَةٌ.
قَالَ - تَعَالَى -: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) أَيْ ثُمَّ كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ بَعْدَ هَذَا الْمِيثَاقِ الَّذِي فِيهِ سَعَادَتُكُمْ، أَنْ تَوَلَّيْتُمْ عَنِ الْعَمَلِ بِهِ، وَأَنْتُمْ فِي حَالَةِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ لَهُ، وَقَدْ يَتَوَلَّى الْإِنْسَانُ مُنْصَرِفًا عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ وَيُوَفِّيَهُ حَقَّهُ، فَلَيْسَ كُلُّ مُتَوَلٍّ عَنْ شَيْءٍ مُعْرِضًا عَنْهُ وَمُهْمِلًا لَهُ عَلَى الدَّوَامِ؛ لِذَلِكَ كَانَ ذِكْرُ هَذَا الْقَيْدِ (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) لَازِمًا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَيْسَ تَكْرَارًا كَمَا يُتَوَهَّمُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُتَمِّمٌ لِلْمَعْنَى، وَمُؤَكِّدٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّرْكِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ التَّوَلِّي.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا زَادَهُ الْمُفَسِّرُ مِنْ قَوْلِهِ: ((فَقَبِلْتُمْ ذَلِكَ) لِيَعْطِفَ عَلَيْهِ (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) ، فَالْمَقَامُ مَقَامُ وَعِيدٍ وَزَجْرٍ وَتَوْبِيخٍ، وَفِي كَلِمَةِ (ثُمَّ) نَفْسِهَا مَا يُفِيدُ أَنَّ التَّوَلِّيَ لَمْ يَكُنْ عَقِبَ أَخْذِ الْمِيثَاقِ.
وَقَدْ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ التَّوَلِّي مَعَ الْإِعْرَاضِ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَأْخُذُوا الدِّينَ إِلَّا فِي كِتَابِهِ، فَاتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ يُحِلُّونَ بِرَأْيِهِمْ وَيُحَرِّمُونَ،
وَيُبِيحُونَ بِاجْتِهَادِهِمْ وَيَحْظُرُونَ، وَيَزِيدُونَ فِي الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَيَضَعُونَ مَا شَاءُوا مِنَ الِاحْتِفَالَاتِ وَالشَّعَائِرِ، فَصَدَقَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ شُرَكَاءَ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يَضَعُ الدِّينَ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا الْعُلَمَاءُ أَدِلَّاءُ يُسْتَعَانُ بِهِمْ عَلَى فَهْمِ كِتَابِهِ وَمَا شَرَعَ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، وَقَدِ اتَّبَعَ سَنَنَ الْيَهُودِ فِي هَذَا التَّشْرِيعِ جَمِيعُ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَحُكْمُ الْجَمِيعِ عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ، فَهُوَ لَا يُحَابِي أَحَدًا (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (18: 49) وَكَذَلِكَ كَانُوا قَدْ قَطَعُوا صِلَاتِ الْقَرَابَةِ، وَبَخِلُوا بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، وَتَرَكُوا النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَفَقَدُوا رُوحَ الصَّلَاةِ وَمَنَعُوا الزَّكَاةَ، وَلَكِنَّهُمُ الْآنَ عَادُوا إِلَى بَعْضِ مَا تَرَكُوا، وَلَمْ يَعُدِ الَّذِينَ تَشَبَّهُوا بِهِمْ أَوِ اتَّبَعُوا بِغَيْرِ شُعُورِ سُنَّتِهِمْ، وَالْأَمْرُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ) فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ لِبَعْضِ مَنْ كَانُوا فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ فِي كُلِّ زَمَنٍ، فَإِنَّهُ لَا تَخْلُو أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ مِنَ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى الْحَقِّ بِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِمْ وَقَدْرِ طَاقَتِهِمْ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ عَدَمُ بَخْسِ الْمُحْسِنِينَ حَقَّهُمْ، وَبَيَانُ أَنَّ وُجُودَ قَلِيلٍ مِنَ الصَّالِحِينَ فِي الْأُمَّةِ لَا يَمْنَعُ عَنْهَا الْعِقَابَ الْإِلَهِيِّ إِذَا فَشَا فِيهَا الْمُنْكَرُ، وَقَلَّ الْمَعْرُوفُ.
لَوْ تَدَبَّرَ جُهَّالُنَا هَذِهِ الْآيَةَ، لَعَلِمُوا أَنَّهُمْ مَغْرُورُونَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى الْأَقْطَابِ وَالْأَوْتَادِ وَالْأَبْدَالِ فِي تَحَمُّلِ الْبَلَاءِ عَنْهُمْ، وَمَنْعِ الْعَذَابِ أَنْ يَنْزِلَ بِالْأُمَّةِ بِبَرَكَتِهِمْ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَقْطَابَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 306
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست