responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 52
ضَمْنِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ سُكُوتُهَا مُنْكَرٍ يَقَعُ، وَلَا عَنْ مَعْرُوفٍ يُتْرَكُ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ إِنْ كَانَ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بِمَعْنَى الشَّرْعِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَعْلُومِ مِنَ
الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ وَالْمُنْكَرَ فِي هَذَا النَّوْعِ بَدِيهِيٌّ ضَرُورِيٌّ، وَإِنْ كَانَ اسْتِدْلَالًا عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعَاتِ الْمُنْعَقِدَةِ عَنِ اجْتِهَادٍ، وَهُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْمُسْتَدِلُّونَ بِالْآيَةِ، فَاسْتِدْلَالُهُمْ بِهَا عَلَيْهِ سُفُسْطَائِيٌّ لِأَنَّ الْمُنْكَرَ لَا يُعْتَبَرُ مُنْكَرًا إِلَّا بَعْدَ إِثْبَاتِ حُكْمِهِ شَرْعًا، وَطَرِيقُ إِثْبَاتِ حُكْمِهِ الْإِجْمَاعُ، فَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى مُنْكَرٍ عِنْدَ اللَّهِ خَطَأً مِنْهُمْ لَمَا كَانَ مُنْكَرًا حَتَّى يَنْهَى عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُمْ هُوَ غَايَةُ وُسْعِهِمْ.
وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ.
عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّفْضِيلَ قَدْ غَمَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ فَنَبَّهَهُمْ هَذَا الْعَطْفُ إِلَى إِمْكَانِ تَحْصِيلِهِمْ عَلَى هَذَا الْفَضْلِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّعْرِيضِ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ مُتَرَدِّدُونَ فِي أَتْبَاعِ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ كَانَ مُخَيْرِيقُ مُتَرَدِّدًا زَمَانًا ثُمَّ أَسْلَمَ، وَكَذَلِكَ وَفْدُ نَجْرَانَ تَرَدَّدُوا فِي أَمْرِ الْإِسْلَامِ.
وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَشْمَلُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَوَّلَ هُنَا هُمُ الْيَهُودُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَقَصَدَ بَيْتَ مِدْرَاسِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ نَفَرٌ قَلِيلٌ
وَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ لَآمَنَ بِي الْيَهُودُ كُلُّهُمْ»
. وَلَمْ يُذْكَرْ مُتَعَلِّقُ (آمَنَ) هُنَا لِأَنَّ الْمُرَادَ لَوِ اتَّصَفُوا بِالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ لَقَبٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الَّذِي مِنْهُ أُطْلِقَتْ صِلَةُ الَّذِينَ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 52
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست