responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 53
آمَنُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَصَارَ كَالْعَلَمِ بِالْغَلَبَةِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ أَسْلَمَ، وَصَبَأَ، وَأَشْرَكَ، وَأَلْحَدَ، دُونَ ذِكْرِ مُتَعَلِّقَاتِ لَهَاتِهِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ اتَّصَفَّ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي صَارَتْ أَعْلَامًا عَلَى أَدْيَانٍ مَعْرُوفَةٍ، فَالْفِعْلُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، وَأَظْهَرُ مِنْهُ: تَهَوَّدَ، وتنصّر، وَتَزَنْدَقَ، وَتَحَنَّفَ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرَةٌ وَهِيَ جَعْلُ إِيمَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي شَرْطِ الِامْتِنَاعِ، مَعَ أَنَّ إِيمَانَهُمْ بِاللَّهِ مَعْرُوفٌ لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ. وَوَقَعَ فِي «الْكَشَّافِ» أَنَّ الْمُرَادَ: لَوْ آمَنُوا الْإِيمَانَ الْكَامِلَ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ، وَلَيْسَ الْمَقَامُ مَقَامَهُ.
وَأَجْمَلُ وَجْهَ كَوْنِ الْإِيمَانِ خَيْرًا لَهُمْ لِتَذْهَبَ نُفُوسُهُمْ كُلَّ مَذْهَبٍ فِي الرَّجَاءِ وَالْإِشْفَاقِ. وَلَمَّا أَخْبَرَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِامْتِنَاعِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ بِمُقْتَضَى جَعْلِ إِيمَانِهِمْ فِي حَيِّزِ شَرْطِ (لَوِ) الِامْتِنَاعِيَّةِ، تَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ بَقِيَ بِوَصْفِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ وَصْفٌ لَا يُبْقِي وَصْفَهُمْ بِهِ بَعْدَ أَنْ يَتَدَيَّنُوا بِالْإِسْلَامِ، وَكَانَ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ وَصْفَ أَهْلِ الْكِتَابِ يَشْمَلُ مَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَوْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، وَجِيءَ بِالِاحْتِرَاسِ بِقَوْلِهِ: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ أَيْ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَدَقَ عَلَيْهِ لَقَبُ الْمُؤْمِنِ، مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَلَامٍ، وَكَانَ اسْمُهُ حُصَيْنًا وَهُوَ مِنْ بَنِي قينقاع، وأخيه، وعمصته خَالِدَةَ، وَسَعْيَةَ أَوْ سِنْعَةَ بْنِ غَرِيضِ بْنِ عَادِيًّا التَّيْمَاوَيِّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي السَّمَوْأَلِ بْنِ عَادِيًّا، وَثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بْنِ سَعْيَةَ الْقُرَظِيِّ، وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَظِيِّ، وَمُخَيْرِيقٍ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ أَوْ مِنْ بَنِي قينقاع، وَمثل أصمحة النَّجَاشِيِّ، فَإِنَّهُ آمَنَ بِقَلْبِهِ وَعَوَّضَ عَنْ إِظْهَارِهِ أَعْمَالَ الْإِسْلَامِ نَصْرَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَحِمَايَتَهُ لَهُمْ بِبَلَدِهِ، حَتَّى ظَهَرَ دِينُ اللَّهِ، فَقَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا وَصَلَّى عَلَيْهِ حِينَ أَوْحَى إِلَيْهِ بِمَوْتِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَرِيقٌ مُتَّقٍ فِي دِينِهِ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَؤُلَاءِ مِثْلُ مَنْ بَقِيَ مُتَرَدِّدًا فِي الْإِيمَانِ مِنْ دُونِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِأَذَى الْمُسْلِمِينَ، مِثْلُ النَّصَارَى مِنْ نَجْرَانَ وَنَصَارَى الْحَبَشَةِ، وَمِثْلُ مُخَيْرِيقٍ الْيَهُودِيِّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، عَلَى الْخِلَافِ فِي إِسْلَامِهِ، فَإِنَّهُ أَوْصَى بِمَالِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْمُرَادُ بِإِيمَانِهِمْ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 53
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست