responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 51
بَعْضِ الْفِرَقِ، فَالْإِيمَانُ قُصِدَ بِهِ التَّفْضِيلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذين كَانُوا يفتخروم بِأَنَّهُمْ أَهْلُ حَرَمِ اللَّهِ وَسَدَنَةُ بَيْتِهِ وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ [التَّوْبَة: 19] وَذِكْرُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، قُصِدَ بِهِ التَّفْضِيلُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، الَّذِينَ أَضَاعُوا ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ كانُوا لَا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ [الْمَائِدَة: 79] .
فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ وَجْهُ التَّفْضِيلِ عَلَى الْأُمَمِ هُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ، فَقَدْ شَارَكَنَا فِي هَذِهِ الْفَضِيلَةِ بَعْضُ الْجَمَاعَاتِ مِنْ صَالِحِي الْأُمَمِ الَّذِينَ قَبْلَنَا، لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ عَلَى حَسْبِ شَرَائِعِهِمْ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، لَتَعَذَّرَ أَنْ يَتْرُكَ الْأُمَمُ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّ الْغَيْرَةَ عَلَى الدِّينِ أَمْرٌ مُرْتَكِزٌ فِي نُفُوسِ الصَّادِقِينَ مِنْ أَتْبَاعِهِ.
قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ صَالِحِي الْأُمَمِ كَانُوا يَلْتَزِمُونَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ، أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَسَّعُونَ فِي حِلِّ التَّقِيَّةِ، وَهَذَا هَارُونُ فِي زَمَنِ مُوسَى عَبَدَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْعِجْلَ بِمَرْأًى مِنْهُ وَمَسْمَعٍ فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ حَكَى اللَّهُ مُحَاوَرَةَ مُوسَى مَعَهُ بِقَوْلِهِ قالَ يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ يَا بْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [طه: 92- 94] وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمرَان: 113، 114] الْآيَةَ فَتِلْكَ فِئَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ هُمُ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَقَدْ كَانُوا فِئَةً قَلِيلَةً بَيْنَ قَوْمِهِمْ فَلَمْ يَكُونُوا جَمْهَرَةَ الْأُمَّةِ.
وَقَدْ شَاعَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَعِصْمَتِهِ مِنَ الْخَطَأِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَإِذَا أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى حُكْمٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مُنْكَرًا، وَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَأْمُورَةَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 51
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست