responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 50
وَمِنَ الْحَيْرَةِ الْتِجَاءُ جَمْعٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى جَعْلِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُخَاطَبِينَ بِكَوْنِهِمْ فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ أُمَّةٍ بِمَعْنَى كَوْنِهِمْ كَذَلِكَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ أَوْ ثُبُوتِ هَذَا الْكَوْنِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ جَعْلِ كَانَ بِمَعْنَى صَارَ.
وَالْمُرَادُ بِأُمَّةٍ عُمُومُ الْأُمَمِ كُلِّهَا عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي إِضَافَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ إِلَى النَّكِرَةِ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ فَتُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ.
وَقَوْلُهُ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ الْإِخْرَاجُ مَجَازٌ فِي الْإِيجَادِ وَالْإِظْهَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ [طه: 88] أَيْ أَظْهَرَ بِصَوْغِهِ عِجْلًا جَسَدًا.
وَالْمَعْنَى: كُنْتُمْ خَيْرَ الْأُمَمِ الَّتِي وُجِدَتْ فِي عَالَمِ الدُّنْيَا. وَفَاعِلُ أُخْرِجَتْ مَعْلُومٌ وَهُوَ اللَّهُ مُوجِدُ الْأُمَمِ، وَالسَّائِقُ إِلَيْهَا مَا بِهِ تَفَاضُلُهَا. وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ جَمِيعُ الْبَشَرِ مِنْ أَوَّلِ الْخَلِيقَةِ.
وَجُمْلَةُ: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ حَالٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ إِذْ مَدْلُولُهَا لَيْسَ مِنَ الْكَيْفِيَّاتِ الْمَحْسُوسَةِ حَتَّى تَحْكِيَ الْخَيْرِيَّةَ فِي حَالِ مُقَارَنَتِهَا لَهَا، بَلْ هِيَ مِنَ الْأَعْمَالِ النَّفْسِيَّةِ الصَّالِحَةِ لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلتَّوْصِيفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا لِبَيَانِ كَوْنِهِمْ خَيْرَ أُمَّةٍ. وَالْمَعْرُوفُ وَالْمُنْكَرُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا.
وَإِنَّمَا قَدَّمَ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى قَوْلِهِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ لِأَنَّهُمَا الْأَهَمُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمَسُوقِ لِلتَّنْوِيهِ بِفَضِيلَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ الْحَاصِلَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ
[آل عمرَان: 104] وَالِاهْتِمَامُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّقْدِيمِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَقَامَاتِ الْكَلَامِ وَلَا يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّ إِيمَانَهُمْ ثَابِتٌ مُحَقَّقٌ مِنْ قَبْلُ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ فِي عِدَادِ الْأَحْوَالِ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا التَّفْضِيلَ عَلَى الْأُمَمِ، لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَفْضَلِيَّةِ أَثَرًا فِي التَّفْضِيلِ عَلَى

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 50
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست