responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 631
وَتَرْوِيجُ الْمُحَالِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: عَنْزٌ مَسْحُورَةٌ إِذَا عَظُمَ ضَرْعُهَا وَقَلَّ لَبَنُهَا وَأَرْضٌ مَسْحُورَةٌ لَا تَنْبُتُ، قَالَ أَبُو عَطاء:
فو الله مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَصَادِقٌ ... أَدَاءٌ عَرَانِي مِنْ حُبَابِكِ أَمْ سِحْرُ
أَيْ شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ سَبَبُهُ. وَالْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الْغِيلَانَ سَحَرَةُ الْجِنِّ لِمَا تَتَشَكَّلُ بِهِ مِنَ الْأَشْكَالِ وَتَعْرِضُهَا لِلْإِنْسَانِ.
وَالسِّحْرُ مِنَ الْمَعَارِفِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي منبع المدنية الْأُولَى أَعْنِي بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ فَإِنَّهُ ظَهَرَ فِي بِلَادِ الْكَلْدَانِ وَالْبَابِلِيِّنَ وَفِي مِصْرَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ فِي الْقَرْنِ الْأَرْبَعِينَ قَبْلَ الْمَسِيحِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي تَيْنِكَ الْأُمَّتَيْنِ مِنْ تعاليم قوم نشأوا قَبْلَهُمَا فَقَدْ وُجِدَتْ آثَارٌ مِصْرِيَّةٌ سِحْرِيَّةٌ فِي عَصْرِ الْعَائِلَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ الْفَرَاعِنَةِ وَالْعَائِلَةِ السَّادِسَةِ (3951- 3703) ق. م.
وَلِلْعَرَبِ فِي السِّحْرِ خَيَالٌ وَاسِعٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ السِّحْرَ يُقَلِّبُ الْأَعْيَانَ وَيُقَلِّبُ الْقُلُوبَ وَيُطَوِّعُ الْمَسْحُورَ لِلسَّاحِرِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الْغُولَ سَاحِرَةُ الْجِنِّ وَلِذَلِكَ تَتَشَكَّلُ لِلرَّائِي بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لَمَّا رَأَوْا مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ: إِنَّهُ سَاحِرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [الْقَمَر: 2] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [الْحجر: 14، 15] .
وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ الْقَوْمَ عَطِشُوا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَطَلَبُوا الْمَاءَ فَوَجَدُوا امْرَأَةً عَلَى بَعِيرٍ لَهَا مَزَادَاتَانِ مِنْ مَاءٍ فَأَتَيَا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَقَى رَسُولُ اللَّهِ جَمِيعَ الْجَيْشِ ثُمَّ رَدَّ إِلَيْهَا مَزَادَتَيْهَا كَامِلَتَيْنِ فَقَالَت لقومها: فو الله إِنَّهُ لَأَسْحَرُ مَنْ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ،
تَعْنِي السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» .
وَلَمْ أَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ السِّحْرَ فَإِنَّ السِّحْرَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ خَصَائِصِ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْعَرَبِ ضَلَاعَةٌ فِي الْأُمُورِ الْيَدَوِيَّةِ بَلْ كَانَتْ ضَلَاعَتُهُمْ فِكْرِيَّةً مَحْضَةً، وَكَانَ الْعَرَبُ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالسِّحْرِ الْيَهُودَ وَالصَّابِئَةَ وَهُمْ أَهْلُ بَابِلَ، وَمَسَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ هَؤُلَاءِ بِالسِّحْرِ عِنْدَ الْعَرَبِ. وَقَدِ اعْتَقَدَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْيَهُودَ فِي يَثْرِبَ سَحَرُوهُمْ فَلَا يُولَدُ لَهُمْ فَلِذَلِكَ اسْتَبْشَرُوا لَمَّا وُلِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْثُرْ ذِكْرُ السِّحْرِ بَيْنَُُ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 631
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست