responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 632
الْعَرَبِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ إِذْ قَدْ كَانَ فِيهَا الْيَهُودُ وَكَانُوا يُوهِمُونَ بِأَنَّهُمْ يَسْحَرُونَ النَّاسَ.
وَيُدَاوِي مِنَ السِّحْرِ الْعَرَّافُ وَدَوَاءُ السِّحْرِ السَّلْوَةُ وَهِيَ خَرَزَاتٌ مَعْرُوفَةٌ تُحَكُّ فِي الْمَاءِ وَيُشْرَبُ مَاؤُهَا.
وَوَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ النَّهْيُ عَنِ السِّحْرِ فَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ خِصَالِ الشِّرْكِ وَقَدْ وَصَفَتِ التَّوْرَاةُ بِهِ أَهْلَ الْأَصْنَامِ فَقَدْ جَاءَ فِي سِفْرِ التَّثْنِيَةِ فِي الْإِصْحَاحِ 18 «إِذَا دَخَلْتَ الْأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ لَا تَتَعَلَّمْ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ رِجْسِ أُولَئِكَ الْأُمَمِ لَا يُوجَدُ فِيكَ مَنْ يَزُجُّ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ وَلَا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً وَلَا عَائِفٌ وَلَا مُتَفَائِلٌ وَلَا سَاحِرٌ وَلَا مَنْ يَرْقَى رُقْيَةً وَلَا مَنْ يَسْأَلُ جَانًّا أَوْ تَابِعَةً وَلَا مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الرَّبِّ» .
وَفِي سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ الْإِصْحَاحِ 20 « (6) وَالنَّفْسُ الَّتِي تَلْتَفِتُ إِلَى الْجَانِّ وَإِلَى التَّوَابِعِ لِتَزْنِيَ وَرَاءَهُمْ أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ تِلْكَ النَّفْسِ وَأَقْطَعُهَا مِنْ شِعْبِهَا (27) وَإِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ جَانٌّ أَوْ تَابِعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالْحِجَارَةِ يَرْجُمُونَهُ دَمُهُ عَلَيْهِ» .
وَكَانُوا يَجْعَلُونَهُ أَصْلًا دِينِيًّا لِمُخَاطَبَةِ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى وَتَسْخِيرِ الشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ الْأَمْرَاضِ وَقَدِ اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ فِي بَلَدِ الْكَلْدَانِ وَخَلَطُوهُ بِعُلُومِ النُّجُومِ وَعِلْمِ الطِّبِّ.
وَأَرْجَعَ الْمِصْرِيُّونَ الْمَعَارِفَ السِّحْرِيَّةَ إِلَى جُمْلَةِ الْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ الَّتِي أَفَاضَهَا عَلَيْهِمْ «طُوطٌ» الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ إِدْرِيسُ وَهُوَ هَرْمَسَ عِنْدَ الْيُونَانِ. وَقَدِ اسْتَخْدَمَ الْكَلْدَانُ
وَالْمِصْرِيُّونَ فِيهِ أَسْرَارًا مِنَ الْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ قَصْدًا لِإِخْرَاجِ الْأَشْيَاءِ فِي أَبْهَرِ مَظَاهِرِهَا حَتَّى تَكُونَ فَاتِنَةً أَوْ خَادِعَةً وَظَاهِرَةً، كَخَوَارِقِ عَادَاتٍ، إِلَّا أَنَّهُ شَاعَ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَبَعْدَ ضَلَالِهِمْ عَنِ الْمَقْصِدِ الْعِلْمِيِّ مِنْهُ فَصَارَ عِبَارَةً عَنِ التَّمْوِيهِ وَالتَّضْلِيلِ وَإِخْرَاجِ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ، أَوِ الْقَبِيحِ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ أَوِ الْمُضِرِّ فِي صُورَةِ النَّافِعِ.
وَقَدْ صَارَ عِنْدَ الْكَلْدَانِ وَالْمِصْرِيِّينَ خَاصِّيَّةً فِي يَدِ الْكَهَنَةِ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَجْمَعُونَ فِي ذَوَاتِهِمُ الرِّئَاسَةَ الدِّينِيَّةَ وَالْعِلْمِيَّةَ فَاتَّخَذُوا قَوَاعِدَ الْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ وَالْفَلْسَفِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّةِ لِتَسْخِيرِ الْعَامَّةِ إِلَيْهِمْ وَإِخْضَاعِهِمْ بِمَا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الْمَقْدِرَةِ عَلَى عِلَاجِ الْأَمْرَاضِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الضَّمَائِرِ بِوَاسِطَةِ الْفِرَاسَةِ وَالتَّأْثِيرِ بِالْعَيْنِ وَبِالْمَكَائِدِ.
وَقَدْ نَقَلَتْهُ الْأُمَمُ عَنْ هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ وَأَكْثَرُ مَا نَقَلُوهُ عَنِ الْكَلْدَانِيِّينَ فَاقْتَبَسَهُ مِنْهُمُ السُّرْيَانُ (الْأَشُورِيُّونَ) وَالْيَهُودُ وَالْعَرَبُ وَسَائِرُ الْأُمَمِ الْمُتَدَيِّنَةِ وَالْفُرْسُ وَالْيُونَانُ وَالرُّومَانُ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 632
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست