responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 581
يَقْتَضِي التَّنْزِيهَ وَالْبَرَاءَةَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ عَنْ مَقَالَتِهِمْ وَيَسْتَدِلَّ عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَاهُمْ. وَكَانَ ذِكْرُ التَّنْزِيهِ أَسْبَقَ، لِأَنَّ فِيهِ رَدْعًا لِمُدَّعِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُمُ ادَّعَوْا أَمْرًا تَنَزَّهَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَقَدَّسَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي إِبْطَالِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ فَقَالَ: بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: أَيْ جَمِيعُ ذَلِكَ مَمْلُوكٌ لَهُ، وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ مَنِ ادَّعَوْا أَنَّهُ وَلَدَ اللَّهُ.
وَالْوِلَادَةُ تُنَافِي الْمِلْكِيَّةَ، لِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَمْلِكُ وَلَدَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هُنَا مَسْأَلَةَ مَنِ اشترى والده أَوْ وَلَدَهُ أَوْ أَحَدًا مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، وَمَوْضُوعُهَا عِلْمُ الْفِقْهِ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْكُلَّ مَمْلُوكٌ لِلَّهِ تَعَالَى، ذَكَرَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَانِتُونَ لَهُ، أَيْ مُطِيعُونَ خَاضِعُونَ لَهُ. وَهَذِهِ عَادَةُ الْمَمْلُوكِ، أَنْ يَكُونَ طَائِعًا لِمَالِكِهِ، مُمْتَثِلًا لِمَا يُرِيدُهُ مِنْهُ. وَاسْتُدِلَّ بِنَتِيجَةِ الطَّوَاعِيَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ. وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يُجَانِسِ الْوَالِدَ، إِذِ الْوَلَدُ يكون من جنس الوالد.
وَأَتَى بِلَفْظِ مَا فِي قَوْلِهِ: بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَتْ لِمَا لَا يَعْقِلُ، لِأَنَّ مَا لَا يَعْقِلُ إِذَا اخْتَلَطَ بِمَنْ يَعْقِلُ جَازَ أَنْ يُعَبَّرَ عَنِ الْجَمِيعِ بِمَا. وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَأَمَّا مَا، فَإِنَّهَا مُبْهَمَةٌ تَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَيُدَلُّ عَلَى انْدِرَاجِ مَنْ يَعْقِلُ تَحْتَ مَدْلُولِ مَا جَمْعُ الْخَبَرِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ فِيمَا يَعْقِلُ، وَانْدَرَجَ فِيهِ مَا لَا يَعْقِلُ عَلَى حُكْمِ تَغْلِيبِ مَنْ يَعْقِلُ. فَحِينَ ذَكَرَ الْمُلْكَ، أَتَى بِلَفْظَةِ مَا، وَحِينَ ذَكَرَ الْقُنُوتَ، أَتَى بِجَمْعِ مَا يَعْقِلُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِمَنْ يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ جَاءَ بِمَا الَّذِي لِغَيْرِ أُولِي الْعِلْمِ مَعَ قَوْلِهِ قَانِتُونَ؟ قُلْتُ: هُوَ كَقَوْلِهِ: سُبْحَانَ مَا سَخَّرَكُنَّ لَنَا، وَكَأَنَّهُ جَاءَ بِمَا دُونَ مَنْ، تَحْقِيرًا لَهُمْ وَتَصْغِيرًا لِشَأْنِهِمْ، كَقَوْلِهِ: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [1] . انْتَهَى كَلَامُهُ، وَهُوَ جُنُوحٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ مَا وَقَعَتْ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ، وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ كَقَوْلِهِ: مَا سَخَّرَكُنَّ لَنَا. يُرِيدُ أَنَّ الْمَعْنَى: سُبْحَانَ مَنْ سَخَّرَكُنَّ لَنَا، لِأَنَّهَا يُرَادُ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَمَا عِنْدَنَا لَا يَقَعُ إِلَّا لِمَا لَا يَعْقِلُ، إِلَّا إِذَا اخْتَلَطَ بِمَنْ يَعْقِلُ، فَيَقَعُ عَلَيْهِمَا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ كَانَ وَاقِعًا عَلَى صِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ، فَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِمَا. وَأَمَّا أَنْ يَقَعَ لِمَنْ يَعْقِلُ، خَاصَّةً حَالَةَ إِفْرَادِهِ أَوْ غَيْرِ إِفْرَادِهِ، فَلَا. وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ، وَهُوَ مَذْهَبٌ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، إِذْ جَمِيعُ مَا احْتُجَّ بِهِ لِهَذَا الْمَذْهَبِ مُحْتَمَلٌ، وَقَدْ يؤول، فيؤول قَوْلُهُ: سُبْحَانَ مَا سَخَّرَكُنَّ، عَلَى أَنَّ سُبْحَانَ غَيْرُ مُضَافٍ، وَأَنَّهُ عَلَمٌ لِمَعْنَى التَّسْبِيحِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ:
سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفاخر

[1] سورة الصافات: 37/ 158.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 581
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست