responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 582
وَمَا: ظَرْفِيَّةٌ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ مُدَّةَ تَسْخِيرِكُنَّ لَنَا. وَالْفَاعِلُ يسخر مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ الْمَعْنَى وَسِيَاقُ الْكَلَامِ، إِذْ مَعْلُومٌ أَنْ مُسَخِّرَهُنَّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: وَكَأَنَّهُ جَاءَ بِمَا دُونَ مَنْ، تَحْقِيرًا لَهُمْ وَتَصْغِيرًا لِشَأْنِهِمْ، لَيْسَتْ مَا هُنَا مُخْتَصَّةً بِمَنْ يَعْقِلُ، فَتَقُولَ عَبَّرَ عَنْهُمْ بِمَا الَّتِي لِمَا لَا يَعْقِلُ تَحْقِيرًا لَهُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ عَامَّةٌ لِمَنْ يَعْقِلُ وَلِمَا لَا يَعْقِلُ. وَمَعْنَى قَانِتُونَ:
قَائِمُونَ بِالشَّهَادَةِ، قَالَهُ الْحَسَنُ، أَوْ فِي الْقِيَامَةِ لِلْعَرْضِ، قَالَهُ الرَّبِيعُ، أَوْ مُطِيعُونَ، قَالَهُ قَتَادَةُ أَوْ مُقِرُّونَ بِالْعُبُودِيَّةِ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ. وَقِيلَ: قَائِمُونَ بِاللَّهِ. وَأُورِدَ عَلَى مَنْ يَقُولُ الْقُنُوتُ:
الْقِيَامُ لِلَّهِ بِالشَّهَادَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، أَنَّهُ: كَيْفَ عَمَّ بِهَذَا الْقَوْلِ وَكَثِيرٌ لَيْسَ بِمُطِيعٍ؟ وَأُجِيبَ: أَنَّ ظَاهِرَهُ الْعُمُومُ، وَالْمَعْنَى الْخُصُوصُ، أَيْ أَهْلُ كُلِّ طَاعَةٍ لَهُ قَانِتُونَ، وَبِأَنَّ الْكُفَّارَ يَسْجُدُ ضُلَّالُهُمْ، وَبِظُهُورِ أَثَرِ الصَّنْعَةِ فِيهِ، وَجَرْيِ أَحْكَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَذَلُّلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ.
وكُلٌّ لَهُ: مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْ في السموات وَالْأَرْضِ، أَيْ كُلُّ مَنْ في السموات وَالْأَرْضِ، وَهُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِمْ بِالْمِلْكِيَّةِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ جَعَلُوهُ لِلَّهِ وَلَدًا، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، لِأَنَّ الْمَجْعُولَ لِلَّهِ وَلَدًا لَمْ يَجْرِ ذِكْرُهُ، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمَجْعُولُ وَلَدًا وَغَيْرُهُ. وقانِتُونَ: خَبَرٌ عَنْ كُلٌّ، وَجُمِعَ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى. وَكُلُّ، إِذَا حُذِفَ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ، جَازَ فِيهَا مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى فَتُجْمَعُ، وَمُرَاعَاةُ اللَّفْظِ فَتُفْرَدُ. وَإِنَّمَا حَسُنَتْ مُرَاعَاةُ الْجَمْعِ هُنَا، لِأَنَّهَا فَاصِلَةُ رَأْسِ آيَةٍ، وَلِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي لِسَانِهِمْ أَنَّهُ إِذَا قُطِعَتْ عَنِ الْإِضَافَةِ كَانَ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى أَكْثَرَ وَأَحْسَنَ. قَالَ تَعَالَى: وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ [1] ، وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ [2] ، وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [3] . وَقَدْ جَاءَ إِفْرَادُ الْخَبَرِ كَقَوْلِهِ: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ [4] ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُنَاكَ ذِكْرُ مُحَسِّنِ إِفْرَادِ الْخَبَرِ.
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ من في السموات وَالْأَرْضِ، وَأَنَّهُمْ كُلٌّ قَانِتُونَ له، وهم المظروف للسموات وَالْأَرْضِ، ذَكَرَ الظَّرْفَيْنِ وَخَصَّهُمَا بِالْبَدَاعَةِ، لِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ مَا نُشَاهِدُهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. وَارْتِفَاعُ بَدِيعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ. فَالْمَجْرُورُ مُشَبَّهٌ بِالْمَفْعُولِ، وأصله الأول بديع سمواته، ثُمَّ شَبَّهَ الْوَصْفَ فَأَضْمَرَ فيه، فنصب السموات، ثُمَّ جَرَّ مَنْ نَصَبَ. وَفِيهِ أَيْضًا ضَمِيرٌ يَعُودُ

[1] سورة الأنفال: 8/ 54.
[2] سورة النمل: 27/ 87.
[3] سورة الأنبياء: 21/ 33. [.....]
[4] سورة الإسراء: 17/ 84.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 582
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست