responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 580
لَيْتَ شِعْرِي وَأَيْنَ مِنِّي لَيْتٌ ... إِنَّ لَيْتًا وَإِنَّ لَوًّا عَنَاءُ
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، إِذْ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [1] ، أَوْ فِي النَّصَارَى، إِذْ قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [2] ، أَوْ فِي الْمُشْرِكِينَ، إِذْ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، أَوْ فِي النَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ، أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ، وَالْأَخِيرُ قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَلِاخْتِلَافِهِمْ فِي سَبَبِ النُّزُولِ، اخْتَلَفُوا فِي الضَّمِيرِ فِي وقالوا، عَلَى مَنْ يَعُودُ؟ فَقِيلَ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ. فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ قَدْ جَعَلَ لِلَّهِ وَلَدًا، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى قِرَاءَةِ:
وَقَالُوا بِالْوَاوِ، وَهُوَ آكَدُ فِي الرَّبْطِ، فَيَكُونُ عَطَفَ جُمْلَةً خَبَرِيَّةً عَلَى جُمْلَةٍ مِثْلِهَا. وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَسَعى فِي خَرابِها، فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى مَعْطُوفٍ عَلَى الصِّلَةِ، وَفُصِلَ بَيْنَهُمَا بِالْجُمَلِ الْكَثِيرَةِ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، يُنَزَّهُ الْقُرْآنُ عَنْ مِثْلِهِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَغَيْرُهُمَا: قَالُوا بِغَيْرِ وَاوٍ، وَيَكُونُ عَلَى اسْتِئْنَافِ الْكَلَامِ، أَوْ مَلْحُوظًا فِيهِ مَعْنَى الْعَطْفِ، وَاكْتَفَى بِالضَّمِيرِ وَالرَّبْطِ بِهِ عَنِ الرَّبْطِ بِالْوَاوِ. وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: وَبِغَيْرِ وَاوٍ هِيَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الشَّامِ. تَقَدَّمَ أَنَّ اتَّخَذَ: افْتَعَلَ مِنَ الْأَخْذِ، وَأَنَّهَا تَارَةً تَتَعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ نَحْوَ قَوْلِهِ:
اتَّخَذَتْ بَيْتاً [3] ، قَالُوا: مَعْنَاهُ صَنَعَتْ وَعَمِلَتْ، وَإِلَى اثْنَيْنِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى: صَيَّرَ. وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ يُحْتَمَلُ هُنَا. وَكُلٌّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ يَقْتَضِي تَصَوُّرَهُ بِاسْتِحَالَةِ الْوَلَدِ، لِأَنَّ الولد يكون من جنس الْوَالِدِ. فَإِنْ جَعَلْتَ اتَّخَذَ بِمَعْنَى عَمِلَ وَصَنَعَ، اسْتَحَالَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْحُدُوثِ، قَدِيمٌ، لَا أَوَّلِيَّةَ لِقِدَمِهِ، وَمَا عَمِلَهُ مُحْدَثٌ، فَاسْتَحَالَ أَنْ يكون ولد إله. وَإِنْ جَعَلْتَ اتَّخَذَ بِمَعْنَى صَيَّرَ، اسْتَحَالَ أَيْضًا، لِأَنَّ التَّصْيِيرَ هُوَ نَقْلٌ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِيمَا يَقْبَلُ التَّغْيِيرَ، وَفَرْضِيَّةُ الْوَلَدِ بِهِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْوَالِدِ لَا تَقْتَضِي التَّغْيِيرَ، فَقَدِ اسْتَحَالَ ذَلِكَ. وَإِذَا جَعَلْتَ اتَّخَذَ بِمَعْنَى صَيَّرَ، كَانَ أَحَدُ الْمَفْعُولَيْنِ مَحْذُوفًا، التَّقْدِيرُ: وَقَالُوا اتَّخَذَ بَعْضَ الْمَوْجُودَاتِ وَلَدًا. وَالَّذِي جَاءَ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا ظَاهِرُهُ التَّعَدِّي إِلَى وَاحِدٍ، قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً [4] ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ [5] ، وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً [6] . وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: أَتَى بِالْوَلَدِ، وَهُوَ أَحَدِيُّ الذَّاتِ، لَا جُزْءَ لِذَاتِهِ، وَلَا تَجُوزُ الشَّهْوَةُ فِي صِفَاتِهِ. انْتَهَى.
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ مِنْ أَفْسَدِ الْأَشْيَاءِ وَأَوْضَحِهَا فِي الِاسْتِحَالَةِ، أتى باللفظ الذي

[1] سورة التوبة: 9/ 30.
[2] سورة التوبة: 9/ 30.
[3] سورة العنكبوت: 29/ 41.
[4] سورة مريم: 19/ 88.
[5] سورة المؤمنون: 23/ 91.
[6] سورة مريم: 19/ 92.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 580
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست