responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 461
لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ وَقُولُوا لِلنَّاسِ كَلِمَةً حُسْنَى، أَوْ مَقَالَةً حُسْنَى. وَفِي الْوَصْفِ بِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً عَلَى أَنَّهَا لِلتَّفْضِيلِ، وَاسْتِعْمَالُهَا بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَلَا إِضَافَةٍ لِمَعْرِفَةٍ نَادِرٌ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنْ دَعَوْتَ إِلَى جُلًى وَمُكَرُمَةٍ ... يَوْمًا كِرَامَ سَرَاةِ النَّاسِ فَادْعِينَا
فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ مِنْ هَذَا لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ، فَيَكُونَ مَعْنَى حُسْنَى: حَسَنَةٌ، أَيْ وَقُولُوا لِلنَّاسِ مَقَالَةً حَسَنَةً، كَمَا خَرَّجُوا يُوسُفَ أَحْسَنَ إِخْوَتِهِ فِي مَعْنَى: حَسَنُ إِخْوَتِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ: إِحْسَانًا فَيَكُونُ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ قَوْلًا إِحْسَانًا، وَإِحْسَانًا مَصْدَرٌ مِنْ أَحْسَنَ الَّذِي هَمْزَتُهُ لِلصَّيْرُورَةِ، أَيْ قَوْلًا ذَا حُسْنٍ، كَمَا تَقُولُ: أَعْشَبَتِ الْأَرْضُ إِعْشَابًا، أَيْ صَارَتْ ذَاتَ عُشْبٍ. وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُولُوا لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمُرُوهُمْ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُولُوا لَهُمْ حُسْنًا فِي الْإِعْلَامِ بِمَا فِي كِتَابِكُمْ مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: قُولُوا لَهُمُ الْقَوْلَ الطَّيِّبَ، وَجَاوِبُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَا تُحِبُّونَ أَنْ تُجَاوَبُوا بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهُوهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا صَدِّقَا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُخَاطَبِ بِقَوْلِهِ: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا، مَنْ هُوَ؟.
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، وَأَنْ تَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا. وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: لَا يَعْبُدُونَ بِالْيَاءِ، يَكُونُ الْتِفَاتًا، إِذْ خَرَجَ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ. وَقِيلَ: الْمُخَاطَبُ الْأُمَّةُ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِتَكُونَ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلِتُنَاسِبَ الْخِطَابَ الَّذِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ، إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ فَإِنَّهُ، لَا يُمْكِنُ إلا أَنْ يَكُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْسَانَ لِلْوَالِدَيْنِ، وَمَنْ عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ الْحَسَنُ لِلنَّاسِ، كَانَ وَاجِبًا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي دِينِهِمْ، لِأَنَّ أَخْذَ الْمِيثَاقِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَكَذَا ظَاهِرُ الْأَمْرِ، وَكَأَنَّهُ ذَمَّهُمْ عَلَى التَّوَلِّي عَنْ ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ قوله: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ خَصَّصَ هَذَا الْعُمُومَ بِالْمُؤْمِنِينَ، أَوْ بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، فَيَكُونُ تَخْصِيصًا بِحَسَبِ الْمُخَاطَبِ، أَوْ بِحَسَبِ الْخِطَابِ. وَزَعَمَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ بَاقٍ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى التَّخْصِيصِ. قِيلَ: وَهَذَا هُوَ الْأَقْوَى. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ، أَنَّ هَارُونَ وَمُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أُمِرَا بِالرِّفْقِ مَعَ فِرْعَوْنَ، وَكَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قِيلَ

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 461
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست