responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 462
لَهُ: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [1] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [2] ، وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً»
، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [4] . وَمَنْ قَالَ: لَا يَكُونُ الْقَوْلُ الْحَسَنُ مَعَ الْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ، اسْتَدَلَّ بِأَنَّا أُمِرْنَا بِلَعْنِهِمْ وَذَمِّهِمْ وَمُحَارَبَتِهِمْ، وَبُقُولِهِ تَعَالَى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [5] .
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ: إِنْ كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَيَكُونُ مِنْ تَلْوِينِ الْخِطَابِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرِ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ. وَإِنْ كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَالصَّلَاةُ هِيَ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا فِي التَّوْرَاةِ، وَهُمْ إِلَى الْآنَ مُسْتَمِرُّونَ عَلَيْهَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ كَانَتْ قُرْبَانًا تَهْبِطُ إِلَيْهِمْ نَارٌ فَتَحْمِلُهَا، فَكَانَ ذَلِكَ تَقَبُّلَهُ، وَمَا لَا تَفْعَلُ النَّارُ ذَلِكَ بِهِ، كَانَ غَيْرَ مُتَقَبَّلٍ. وَقِيلَ: الصَّلَاةُ هِيَ هَذِهِ الْمَفْرُوضَةُ عَلَيْنَا، وَالْخِطَابُ لِمَنْ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم من أَبْنَاءِ الْيَهُودِ، وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُمْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَمْرًا بِالْإِسْلَامِ. وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِيمَانِ وَالزَّكَاةُ هِيَ هَذِهِ الْمَفْرُوضَةُ، وَقِيلَ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ هُنَا الطَّاعَةُ لِلَّهِ وَحْدَهُ. وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ كُنِّيَ عَنِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ اللَّتَيْنِ هُمَا أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ.
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ. وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِمُعَاصِرِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَسْنَدَ إِلَيْهِمْ تَوَلِّيَ أَسْلَافِهِمْ، إِذْ هُمْ كُلُّهُمْ بِتِلْكَ السَّبِيلِ، قَالَ نَحْوَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَالْمَعْنَى:
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ عَمَّا أُخِذَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمِيثَاقِ، وَالْمَعْنِيُّ بِالْقَلِيلِ الْقَلِيلُ فِي عَدَدِ الْأَشْخَاصِ.
فَقِيلَ: هَذَا الْقَلِيلُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سلام وَأَصْحَابُهُ. وَقِيلَ: مَنْ آمَنَ قَدِيمًا مِنْ أَسْلَافِهِمْ، وَحَدِيثًا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْقِلَّةُ فِي الْإِيمَانِ، أَيْ لَمْ يَبْقَ حِينَ عَصَوْا وَكَفَرَ آخِرُهُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِيمَانٌ قَلِيلٌ، إِذْ لَا يَنْفَعُهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى.
انْتَهَى كَلَامُهُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ، إِذِ الَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَيْهِ الْفَهْمُ إِنَّمَا هُوَ اسْتِثْنَاءُ أَشْخَاصٍ قَلِيلِينَ مِنَ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ الضَّمِيرُ فِي تَوَلَّيْتُمْ، وَنَصْبُ: قَلِيلًا، على الاستثناء،

[1] سورة النحل: 16/ 125.
[2] سورة الأنعام: 6/ 108.
(3) سورة الفرقان: 25/ 72.
[4] سورة الأعراف: 7/ 199.
[5] سورة النساء: 4/ 148.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 462
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست