responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 459
إِحْسَانًا مِنَّا لِلْمُوصَيْنَ، إِذْ يَتَرَتَّبُ لَهُمْ عَلَى امْتِثَالِ ذَلِكَ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَالْأَجْرُ الْعَظِيمُ، أَوْ إِحْسَانًا مِنَّا لِلْمُوصَى بِهِمْ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْفِعْلُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً [1] . وَالْمُخْتَارُ، الْوَجْهُ الثَّانِي: لِعَدَمِ الْإِضْمَارِ فِيهِ، وَلِاطِّرَادِ مَجِيءِ الْمَصْدَرِ فِي مَعْنَى فَعَلِ الْأَمْرِ.
وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ: مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَبِالْوَالِدَيْنِ. وَكَانَ تَقْدِيمُ الْوَالِدَيْنِ لِأَنَّهُمَا آكَدُ فِي الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى الْعَامِلِ اعْتِنَاءً بِمُتَعَلِّقِ الْحَرْفِ، وَهُمَا الْوَالِدَانِ، وَاهْتِمَامًا بِأَمْرِهِمَا. وَجَاءَ هَذَا التَّرْتِيبُ اعْتِنَاءً بِالْأَوْكَدِ. فَبَدَأَ بِالْوَالِدَيْنِ، إِذْ لَا يَخْفَى تَقَدُّمُهُمَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ بِذِي الْقُرْبَى، لِأَنَّ صِلَةَ الْأَرْحَامِ مُؤَكَّدَةٌ أَيْضًا، وَلِمُشَارَكَتِهِ الْوَالِدَيْنِ فِي الْقَرَابَةِ، ثُمَّ بِالْيَتَامَى، لِأَنَّهُمْ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ تَامَّةٌ عَلَى الِاكْتِسَابِ،
وَقَدْ جَاءَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ»
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ، ثُمَّ بِالْمَسَاكِينِ لِمَا فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ مِنَ الثَّوَابِ. وَتَأَخَّرَتْ دَرَجَةُ الْمَسَاكِينِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَعَهَّدَ نَفْسَهُ بِالِاسْتِخْدَامِ، وَيُصْلِحَ مَعِيشَتَهُ، بِخِلَافِ الْيَتَامَى، فَإِنَّهُمْ لِصِغَرِهِمْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِمْ، وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى مَنْ يَنْفَعُهُمْ. وَأَوَّلُ هَذِهِ التَّكَالِيفِ هُوَ إِفْرَادُ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ، ثُمَّ الْإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ إِلَى ذِي الْقُرْبَى، ثُمَّ إِلَى الْيَتَامَى، ثُمَّ إِلَى الْمَسَاكِينِ. فَهَذِهِ خَمْسَةُ تَكَالِيفَ تَجْمَعُ عِبَادَةَ اللَّهِ، وَالْحَضَّ عَلَى الْإِحْسَانِ لِلْوَالِدَيْنِ، وَالْمُوَاسَاةَ لِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَأَفْرَدَ ذَا الْقُرْبَى، لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ، وَلِأَنَّ إِضَافَتَهُ إِلَى الْمَصْدَرِ يَنْدَرِجُ فِيهِ كُلُّ ذِي قَرَابَةٍ.
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً: لَمَّا ذَكَرَ بَعْدَ عِبَادَةِ اللَّهِ الْإِحْسَانَ لِمَنْ ذَكَرَ، وَكَانَ أَكْثَرُ الْمَطْلُوبِ فِيهِ الْفِعْلُ مِنَ الصِّلَةِ وَالْإِطْعَامِ وَالِافْتِقَادِ، أَعْقَبَ بِالْقَوْلِ الْحَسَنِ، لِيَجْمَعَ الْمَأْخُوذُ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ، فَقَالَ تَعَالَى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً. وَلَمَّا كَانَ الْقَوْلُ سَهْلَ الْمَرَامِ، إذ هو بذل لَفْظٍ، لَا مَالٍ، كَانَ مُتَعَلِّقُهُ بِالنَّاسِ عُمُومًا إِذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ بِالْقَوْلِ الطَّيِّبِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: حَسَنًا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ. وَقَرَأَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ: حُسُنًا بِضَمِّهِمَا. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: حُسْنَى، عَلَى وَزْنِ فَعَّلَ. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ:
إِحْسَانًا. فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ حُسْنًا، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ قَوْلًا حَسَنًا، إِمَّا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ ذَا حُسْنٍ، وَإِمَّا عَلَى الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ لِإِفْرَاطِ حسنه، وقيل: يكون

[1] سورة العنكبوت: 29/ 8.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 459
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست