responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 458
بِهِمَا كَوْنُ اللَّهِ قَرَنَ ذَلِكَ بِعِبَادَتِهِ تَعَالَى، وَمِنْ غَرِيبِ الْحِكَايَاتِ: أَنَّ عُمَرَ رَأَى امْرَأَةً تَطُوفُ بِأَبِيهَا عَلَى ظَهْرِهَا، وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى ظَهْرِهَا مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ لَهَا: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، لَقَدْ وَفَيْتِ بِحَقِّهِ، فَقَالَتْ: مَا وَفَّيْتُهُ ولا أنصفته، لأن كَانَ يَحْمِلُنِي وَيَوَدُّ حَيَاتِي، وَأَنَا أَحْمِلُهُ وَأَوَدُّ مَوْتَهُ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: وَبِالْوالِدَيْنِ، وَفِي انْتِصَابِ إِحْساناً عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى لَا تَعْبُدُونَ، أَعْنِي عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنَ الْحَرْفِ الْمَصْدَرِيِّ وَالْفِعْلِ، إِذِ التَّقْدِيرُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ بِإِفْرَادِ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ وَبِالْوَالِدَيْنِ، أَيْ وَبِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، أَوْ بِإِحْسَانٍ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَيَكُونُ انْتِصَابُ إِحْسَانًا عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ ذَلِكَ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ، فَالْعَامِلُ فِيهِ الْمِيثَاقُ، لِأَنَّهُ بِهِ يَتَعَلَّقُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ، وَرَوَائِحُ الْأَفْعَالِ تَعْمَلُ فِي الظُّرُوفِ وَالْمَجْرُورَاتِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِإِحْسَانًا، وَيَكُونَ إِحْسَانًا مَصْدَرًا مَوْضُوعًا مَوْضِعَ فِعْلِ الْأَمْرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ. قَالُوا: وَالْبَاءُ تُرَادِفُ إِلَى فِي هَذَا الْفِعْلِ، تَقُولُ: أَحْسَنْتُ بِهِ وَإِلَيْهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ تَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ وَأَحْسِنُوا بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، الْمَعْنَى: وَأَحْسِنُوا إِلَى الْوَالِدَيْنِ بِبِرِّهِمَا. وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ الْعَامِلُ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَلْفُوظًا بِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُعْتَرَضُ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَصْدَرَ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مَا هُوَ مَعْمُولٌ لَهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ، إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْحَسَنِ فِي مَنْعِهِ تَقْدِيمَ مَفْعُولٍ، نَحْوَ: ضَرْبًا زَيْدًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْمَنْعُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَصْدَرُ مَوْصُولًا بِأَنْ يَنْحَلَّ لِحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ وَالْفِعْلِ، أَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ مَوْصُولٍ، فَلَا يَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ. فَجَائِزٌ أَنْ تَقُولَ: ضَرْبًا زَيْدًا، وَزَيْدًا ضَرْبًا، سَوَاءٌ كَانَ الْعَمَلُ لِلْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ الْعَامِلِ فِي الْمَصْدَرِ، أَوْ لِلْمَصْدَرِ النَّائِبِ عَنِ الْفِعْلِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ هُوَ أَمْرٌ، وَالْمَصْدَرَ النَّائِبَ عَنْهُ أَيْضًا مَعْنَاهُ الْأَمْرُ. فَعَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْعَامِلِ يَجُوزُ التَّقْدِيمُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مَحْذُوفًا، وَيُقَدَّرُ: وَأَحْسِنُوا، أَوْ وَيُحْسِنُونَ بِالْوَالِدَيْنِ، وَيَنْتَصِبُ إِحْسَانًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِذَلِكَ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ، فَتَقْدِيرُهُ:
وَأَحْسِنُوا، مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى لَا تَعْبُدُونَ: لَا تَعْبُدُوا، أَوْ تَقْدِيرُهُ: وَيُحْسِنُونَ، مُرَاعَاةً لِلَفْظِ لَا تَعْبُدُونَ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْأَمْرَ. وَبِهَذَيْنِ قَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْمَحْذُوفَ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مَحْذُوفًا، وَتَقْدِيرُهُ: وَاسْتَوْصُوا بِالْوَالِدَيْنِ، وَيَنْتَصِبَ إِحْسَانًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ، قَالَهُ الَمَهْدَوِيُّ: الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مَحْذُوفًا، وَتَقْدِيرُهُ: وَوَصَّيْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ، وَيَنْتَصِبَ إِحْسَانًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، أَيْ وَوَصَّيْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا مِنَّا، أَيْ لِأَجْلِ إِحْسَانِنَا، أَيْ أَنَّ التَّوْصِيَةَ بِهِمَا سَبَبُهَا إِحْسَانُنَا، إِمَّا لِأَنَّ مِنْ شَأْنِنَا الْإِحْسَانَ، أَوْ

اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 458
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست