موسى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} ؛ ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره؛ يعني: قوله"[1].
وقال سعد بن معاذ[2] رضي الله عنه في هذا المقام: "فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك؛ فوالذي بعثك بالحق؛ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقي بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سعد ونشطه ذلك"[3].
فتأمل موقف هذه الأمة من نبيها، وانظر أي بون بينه وبين موقف قوم موسى عليه السلام في قولهم: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ، أو موقف النصارى الذين أسلموا نبيهم لأعدائهم ليقتلوا ويصلبوه بزعمهم، وتآمر بعض تلاميذه وحوارييه عليه، كما تقدم إيضاح ذلك في مواقف القوم من أنبيائهم.
الأمر الثالث:
أنهم لم يغلو فيهم أو يفرطوا في مدحهم بالباطل؛ وإنما قدروهم حق قدره، وعزروهم ونصروهم، وأحبوهم، وعظموهم وأجلوهم غاية التعظيم والإجلال، ولم يفرطوا في مدحهم ولم يبالغوا في إطرائهم والثناء عليهم ولم يجاوزوا الحد في ذلك، ولم ينزلوهم فوق المنزلة التي أنزلهم الله إياها. ولم يرفعوهم فوق المقام الذي لهم؛ فلم يجاوزوا بهم منزلة الرسالة والنبوة، ومقام [1] خ: كتاب المغازي، باب قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} 7/ 287، ح 3952. [2] وهو: سعد بن معاذ بن النعمان سيد الأوس، شهد بدرًا، ورمى بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرًا حتى حكم في بني قريظة. ثم انتقض جرحه؛ فمات وذلك سنة خمس. انظر: ابن حجر، الإصابة 2/ 37. [3] ابن هشام، سيرة 1/ 615.