قوله: "كلمة" قال القرطبي: بالنصب على أنه بدل من "لا إله إلا الله"، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف.
قوله: "أحاج لك بها عند الله" هو بتشديد الجيم من المحاجة، والمراد بها بيان الحجة بها لو قالها في تلك الحال. وفيه دليل على أن الأعمال بالخواتيم؛ لأنه لو قالها في تلك الحال معتقدا ما دلت عليه مطابقة من النفي والإثبات لنفعته.
قوله: "فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ " ذكراه الحجة الملعونة التي يحتج بها المشركون على المرسلين، كقول فرعون لموسى: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} [1]. وكقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [2].
قوله: "فأعاد عليه النبي صلي الله عليه وسلم فأعادا"[3] فيه معرفتهما لمعنى "لا إله إلا الله"؛ لأنهما عرفا أن أبا طالب لو قالها لبرئ من ملة عبد المطلب. فإن ملة عبد المطلب هي الشرك بالله في إلهيته. وأما الربوبية فقد أقروا بها كما تقدم. وقد قال عبد المطلب لأبرهة: "أنا رب الإبل، والبيت له رب يمنعه منك". وهذه المقالة منهما عند قول النبي صلي الله عليه وسلم لعمه قل "لا إله إلا الله" استكبارا عن العمل بمدلولها. كما قال الله تعالى عنهما وعن أمثالهما من أولئك المشركين: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [4] فرد عليهم بقوله: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [5]. فبين تعالى أن استكبارهم عن قول "لا إله إلا الله" لدلالتها على نفي عبادتهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله؛ فإن دلالة هذه الكلمة على نفي ذلك دلالة تضمن، ودلالتها عليه وعلى الإخلاص دلالة مطابقة.
ومن حكمة الرب تعالى في عدم هداية أبي طالب إلى الإسلام ليبين لعباده أن
وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال النبي صلي الله عليه وسلم " لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك". فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [6]. وأنزل الله ذلك إليه، وهو القادر عليه دون من سواه، فلو كان عند النبي صلي الله عليه وسلم - الذي هو أفضل خلقه - من هداية القلوب وتفريج الكروب; ومغفرة الذنوب، والنجاة من العذاب، [1] سورة طه آية: 51. [2] سورة الزخرف آية: 23. [3] في قرة العيون: فيه مضرة أصحاب السوء والحذر من قربهم والاستماع لهم. ففيه معنى قول الناظم: إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى. [4] سورة الصافات آية: 35-36. [5] سورة الصافات آية: 37. [6] سورة التوبة آية: 113.