اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 353
الصلاة والسلام: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [1].
أي: فما ظنكم أن يجازيكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره، وما ظننتم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره، فلو ظننتم به ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه غني عن كل ما سواه فقير إليه كل من عداه، وأنه قائم بالقسط على خلقه، وأنه المنفرد بتدبير خلقه لا يشرك فيه غيره، والعالم بتفاصيل الأمور فلا تخفى عليه خافية من خلقه، والكافي لهم وحده لا يحتاج إلى معين، والرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه، وهذا بخلاف الملوك وغيرهم، من الرؤساء، فإنهم محتاجون إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم، من الوسطاء الذين يعينونهم على قضاء حوائجهم، وإلى من يسترحمهم ويستعطفهم بالشفاعة، فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وعجزهم وضعفهم وقصور علمهم.
فأما القادر على كل شيء، الغني بذاته عن كل شيء، العالم بكل شيء الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء: فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه تنقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده، وظن به ظن السوء، وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده ويمتنع في العقول والفطر، وقبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبح.
يوضح هذا أن العابد معظم لمعبوده متأله له خاضع ذليل له، والرب تبارك وتعالى وحده هو الذي يستحق كمال التعظيم والإجلال، والتأله والخضوع والذل، وهذا في خالص حقه، فمن أقبح الظلم أن يعطى حقه لغيره ويشرك بينه وبينه فيه، ولاسيما إذا كان الذي جعل شريكه في حقه هو عبده ومملوكه، كما قال تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [2]. أي: إذا كان أحدكم يأنف أن مملوكه [1] سورة الصافات: 85- 87. [2] سورة الروم: 28.
اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 353