والجواب على هذا الاستدلال يمكن من أوجه كثيرة نوجزها بالآتي:
أ- إن هذا الحديث من الأدلة على المرجئة فى زيادة الإيمان ونقصانه، وهم يؤولونه ولا يأخذون به فى ذلك فمن التحكم أن يردوا أول الحديث ويستدلوا بآخره، مع أن هذا الذى فى آخره ليس إلا فى رواية واحدة من رواياته.
فالمرجئة - كما سبق بيانه - تقول إن الإيمان شئ واحد لا يزيد ولا ينقص، وإن الإنسان يكون كامل الإيمان وإن لم يعمل خيرا" قط، والحديث يرد عليهم فى ذلك أصرح رد:
قال الإمام البخارى رحمه الله: "باب تفاضل أهل الإيمان فى الأعمال ([1]) ".
وذكر سنده إلى أبى سعيد رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون فى نهر الحيا - أو: الحياة - شك مالك - فينبتون كما تنبت الحبة فى جانب السيل" [2] .
وقال أيضا": "باب زيادة الإيمان ونقصانه ... الخ ".
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفى قلبه وزن شعيرة من خير، يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفى قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفى قلبه وزن ذرة من خير".
ثم ذكر أن فى رواية أخرى: "من إيمان "بدل "من خير" [3] .
وبهذا أيضا" استدل الإمام أبو بكر بن خزيمة على من يزعمون (أن الناس إنما يتفاضلون فى إيمان الجوارح، الذى هو كسب الأبدان، فإنهم زعموا أنهم متساوون فى إيمان القلب، الذى هو التصديق وإيمان اللسان الذى هو الإقرار) [4] .
ب- إن أكثر روايات هذا الحديث ليس فيها هذه الزيادة، بل هى مصرحة بأن الجهميين هم من أهل الصلاة ومن العاملين، فإذا ضممنا هذه الروايات إلى [1] لاحظ هذه الكلمة فلها دلالتها عند البخارى المعروف بدقته فى تراجمه. [2] 1/72) . [3] انظر: (1/103) . [4] التوحيد، ص294.