وأما الحديث الرابع: فهو حديث قال عنه الشيخ: إنه حديث حسن، رواه الإمام أحمد وغيره من حديث طويل، والشيخ اقتصر على الشاهد، كما اقتصر على الشاهد في الحديث الثاني:
" عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِهِ، ينظر إليكم أزلين قنطين، فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب ".
الشاهد منه في هذا المقام: " فيظل يضحك " وفيه دلالة على إثبات العجب، وإثبات الضحك، وإثبات النظر، ثلاث: العجب، النظر، الضحك، ولكن العجب والضحك صفتان -كذلك- ثابتتان في القرآن كما تقدم، وإن كان العجب لم يسبق له ذكر لكنه ثابت، يعني لم يمر في الشواهد فيما أذكر.
لكن من الأدلة القرآنية على إثبات العجب قوله تعالى: "بل عجبتُ ويسخرون" في قراءة صحيحة سبعية، قراءة حفص التي نقرأ بها: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) } [1] والقراءة الأخرى "بل عجبتُ " فالضمير يعود لمن؟ إلى الله تعالى "بل عجبتُ ويسخرون"، كما دل على صفة العجب قوله تعالى: {* وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [2] .
كذلك هذا الحديث من الأدلة على إثبات صفة العجب، فهو تعالى يوصف بالعجب على المنهج المقرر: إثبات مع نفي التمثيل ونفي العلم بالكيفية.
وليس عجبه لجهله بالأسباب، فهذا شأن المخلوق، المخلوق هو الذي يعجب أحيانا لجهله بالسبب، كما يقال: إذا ظهر السبب بطل العجب، هذا في عجب المخلوق، أو في بعض عجب المخلوق.
" عجب ربنا من قنوط عباده " القنوط: شدة اليأس " وقرب غِيَرِهِ " بينما العباد قانطون أزلون، والأزْل هو الشدة، والأزِل هو الذي قد بلغت به الشدة حدا بعيدا، استولى عليه اليأس، فالأزل والقنط معناهما متقارب. [1] - سورة الصافات آية: 12. [2] - سورة الرعد آية: 5.