" لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم براحلته أضلها في أرض فلاة، عليها طعامه وشرابه، حتى أيس منها، فآوى إلى أصل شجرة، قد أيس منها، فبينما هو كذلك ينتظر الموت إذ هي عند رأسه، فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح ".
اللهم أنت عبدي، فرح، فرح، أيس من الحياة، وفجأة يجد راحلته عند رأسه واقفة وعليها طعامه، انظروا إلى هذا التصوير، على وجه -يعني- في حدود معلومنا، وإلا فشأن الله أعظم، لله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته.
فيجب الإيمان بأن الله تعالى يفرح بتوبة التائبين، فالفرح إذن صفة يجب إثباتها له، وأنها لا تماثل فرح المخلوق، ولا نعلم كنهها وكيفيتها.
وهكذا الضحك، وقد جاء في أحاديث عدة، ومنها هذا الحديث: " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخلان الجنة " وذلك أنه يجاهد المؤمن في سبيل الله فيُقتل، فيسلم القاتل ثم يستشهد، فكلاهما يدخل الجنة، القاتل والمقتول، الأول جاهد في سبيل الله فقتل، والثاني -القاتل- يؤمن فيجاهد فيُقتل.
كلاهما يدخل الجنة، فالله يضحك إليهما؛ لأن أمرهما عجب، يجتمعان في الجنة، القاتل والمقتول، وضحكه إليهما يتضمن رضاه عنهما، يتضمن الرضا، ولا أقول: إن هذا تفسير للضحك، لا، بل هو تعالى يضحك كيف شاء، وهو معنى يختلف عن معنى الفرح، فيجب إثبات ذلك كله، مع نفي التمثيل، ونفي العلم بالكيفية.
وإذا كان العلم بالكيفية مستحيلا، فلا يجوز التفكر في كيفية نزول الرب، أو فرحه، أو ضحكه، لا تفكر في الكيفية، لأنه لا سبيل إلى أن تعلمها، لا تفكر، لا تتخيل، بل إيمان، إثبات لما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ربه، إيمان وإثبات لما وصف به الرسول -أعلم الخلق بالله- بما وصف به ربه، مع نفي التمثيل، ونفي العلم بالكيفية.