اسم الکتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب المؤلف : الأشعري، أبو الحجاج الجزء : 1 صفحة : 88
لون ما[1] يحيط بهم من السماء ملاوماً لأبصارهم، ولو كان لونها على خلاف ذلك من الألوان لأفسدها[2].
ودلهم على حدثها بما ذكرناه من حركاتها واختلاف هيئاتها[3] كما ذكرنا آنفاً، ودلهم على حاجتها وحاجة الأرض، وما فيهما من الحكم على[4] عظمتهما وثقل أجرامهما إلى إمساكه عز وجل لهما بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [5].
فعرّفنا تعالى أن وقوعهما[6] لا يصح[7] أن يكون من غيره، وأن وقوفهما لا يجوز أن يكون[8] بغير مُوقف لهما[9]. [1] ساقطة من (ت) . [2] في (ت) "فسدتها".
يشير الأشعري بكلامه السابق إلى بعض مظاهر عظمة الله في الكون ومنها الليل الذي تستريح فيه العوالم من كد السعي والتعب، ففيه تأوي الحيوانات إلى بيوتها، والطيور إلى أوكارها، وتهدأ به نفوس وأجساد البشر كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً} . وكما جعل الليل راحة وسكوناً، جعل النهار حركة وانتشاراً لطلب المعاش وقضاء المصالح قال تعالى: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} .
ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى عباده بهذه النعم الجليلة مبيناً لهم ما فيها من آثار رحمته وقدرته، ومشيراً بها إلى وحدانيته وعظمته قائلاً: {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة القصص الآية (70- 73) (وانظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم ص228) .
ويقول أبو الوفاء درويش: "وفي اختلاف الليل والنهار من مظاهر الرحمة ما لا يأتي على بيانه الوصف، وفي اختلاف الليل والنهار وحلول كل منهما محل الآخر، ما يعين الكائنات الحية على أن تراوح بين نومها ويقظتها، وعملها وراحتها، ولو كان الليل سرمداً، والنهار سرمداً لقضت برودة الليل الدائم وحرارة النهار الدائم على حياة الأحياء". (انظر: كتابه الأسماء الحسنى ص19) . [3] في (ت) "هيهاتها" وهو تحريف. [4] في (ت) "مع". [5] فاطر: آية (41) .
وفي هذه الآية مظهر من أروع مظاهر العظمة الإلهية، ويشير ابن القيم إلى ذلك بقوله: "ثم تأمل الممسك للسماوات والأرض الحافظ لهما أن تزولا، أو تقعا، أو يتعطل بعض ما فيها، أفترى مَن الممسك لذلك ومَن المقيم بأمره، ومَن المقيم له، فلو تعطلت بعض آلات هذا الدولاب العظيم والحديقة العظيمة من كان يصلحه، وماذا كان عند الخلق كلهم من الحيلة في رده كما كان…" (انظر: مفتاح دار السعادة ص233، 234) .
وعلق أبو الوفاء درويش على هذه الآية بقوله: "انظر إلى هذه الأجرام التي بثها الله في آفاق السماء بنظام وإحكام وجعلها متماسكة أشد التماسك لا يخرج شيء منها عن المدار الذي وضعه الله فيه، إذ لو خرج شيء منها عن مداره لاصطدم بغيره، فحدثت الطامة الكبرى، وهلك العالم وما فيه. قال تعالى: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (انظر: الأسماء الحسنى ص18) . [6] في الأصل "وقوفهما"، وما أثبته من (ت) . [7] في (ت) "لا يكون". [8] ساقطة من (ت) . [9] ساقطة من (ت) .
اسم الکتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب المؤلف : الأشعري، أبو الحجاج الجزء : 1 صفحة : 88