اسم الکتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب المؤلف : الأشعري، أبو الحجاج الجزء : 1 صفحة : 89
ثم نبهنا على فساد قول الفلاسفة بالطبائع[1]، وما يدعونه من فعل الأرض، والماء والنار، والهواء في الأشجار، وما يخرج منها من سائر الثمار بقوله عز وجل: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى[2] بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} [3]، ثم قال عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [4]. ثم نبه تعالى خلقه على أنه واحد باتساق أفعاله وترتيبها وأنه تعالى لا شريك له فيها بقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، ووجه الفساد بذلك، لو كان إلهان ما اتسق أمرهما على نظام، ولا يتم على إحكام، وكان لابد[5] أن يلحقهما العجز، أو يلحق أحدهما عند التمانع في الأفعال، والقدرة (على ذلك) [6] وذلك أن كل واحد منهما لا يخلو أن يكون قادراً على ما يقدر عليه الآخر على طريق البدل من (فعل) [7] الآخر، أو لا يكون كل واحد منهما قادراً على ذلك (فإن "كان" كل واحد منها قادراً على فعل ما يقدر عليه الآخر على طريق البدل من بدل الآخر، أو لا يكون كل واحد منهما [1] في (ت) "بالطباع".
وملخص قول الفلاسفة في ذلك ما ذكره ابن الجوزي عنهم من أنهم قالوا بأن هذه المخلوقات من فعل الطبيعة، وقالوا: ما من شيء يخلق إلا من اجتماع الطبائع الأربع فيه، التي هي الماء والتراب والنار والهواء. (انظر: تلبيس إبليس ص43) .
ويحكي ابن تيمية قولهم فيقول: "إنهم يقولون إن الموجب بذاته على حال واحدة من الأزل إلى الأبد، فيمتنع أن يصدر عنه حادث بعد أن لم يكن ذلك الحادث صادراً منه، وعلى هذا فهم يقولون: بأن كل ما يجدُّ في العالم من حوادث إنما هو من فعل الطبيعة، وقالوا: إن الفلك يتحرك حركة اختيارية بسببها تحدث الحوادث من غير أن يكون قد حدث من جهة الله ما يوجب حركته". ثم يقول: "ففي الحقيقة ليس عندهم الرب لا إلهاً ولا رباً للعالمين غاية ما يثبتونه أن يكون شرطاً في وجود العالم وأن كمال المخلوق في أن يكون متشبهاً به، وهذا هو الإله عندهم، وذاك هو الربوبية، ولهذا كان قولهم شراً من قول اليهود والنصارى،.. إلى أن قال: فتبين أن هؤلاء المتفلسفة قدرية في جميع حوادث العالم، وأنهم من أضل بني آدم، ولهذا فهم يضيفون الحوداث إلى الطبائع التي في الأجسام". (انظر: منهاج السنة النبوية 2/73- 76) . [2] في (ت) "تسقى"، وهما قراءتان صحيحتان، قال الطبري: "وقرأ بالتاء عامة قراء أهل المدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة، وبالياء بعض المكيين والكوفيين" (انظر: تفسيره 13/101) . [3] سورة الرعد: آية (4) .
وفيها كما ذكر الأشعري رد بليغ على قول الفلاسفة، ومن سار في ركابهم من أهل الزيغ والضلال، ومنهم طائفة المفوضة من الرافضة التي نفت خلق الله للعالم بكل ما فيه، وقالوا إن الله تعالى خلق محمداً، ثم فوض إليه خلق العالم وتدبيره، فهو الذي خلق العالم دون الله تعالى ثم فوض محمد تدبير العالم إلى علي بن أبي طالب، فهو المدبر الثاني. انظر: في ذلك الفرق بين الفرق ص251، والتبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن فرق الهالكين ص75) . [4] سورة الرعد: آية (4) . [5] في (ت) "ولو كان لابد". [6] ما بين المعقوفتين من (ت) ، وفي الأصل "على الله". [7] ما بين المعقوفتين من نسخة ابن تيمية وفي الأصل، و (ت) كلمة "بدل" مكانها، وما أثبته ألصق بالسياق.
اسم الکتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب المؤلف : الأشعري، أبو الحجاج الجزء : 1 صفحة : 89