اسم الکتاب : تاريخ الفكر الديني الجاهلي المؤلف : الفيومي، محمد إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 56
من غياهب العصور السامية القديمة حوالي مطلع الألف الثاني ق. م. غير أن أسلاف الذين سمو كنعانيين كانوا غالبا يحتلون البلاد قبل ذلك بألف سنة أو أكثر.
الوجه الثقافي والديني للحضارة الفينيقية:
كان الفينيقيون أول أمة بحرية في التاريخ، وكان البحر لا يخيفهم والعالم المجهول يفتنهم بدلا من أن يلقي الرعب في قلوبهم، وكان الفينيقيون أول من قدم أربع موادٍّ هامة مفقودة في كثير من بلاد البحر المتوسط وهي "الأخشاب، والقمح، والزيت، السكر" وأصبح البحر المتوسط بحيرة فينيقية قبل أن يكون بحيرة يونانية أو رومانية بوقت كبير، وفي بلاد اليونان يشهد وجود أسماء سامية للمواقع، والآلهة إلى جانب وجود الأساطير الخرافية الكثيرة بنشاط فينيقي، ومن الجزر اليونانية التي لها صلة بالاسعمار الفينيقي ساموس، وكريت، وكانت لهما مكانة بارزة في هذه الناحية، إن السفن كالقوافل -فوق ما تحمل ن شحنات البضائع- تحمل أمورا غير ملموسة تساويها في أهميتها إن لم تفقها بالنسبة للتقدم البشري، وهذه الأمور غير المادية هي المؤثرات الحضارية المتنوعة، التي أتى بها التجار الفينيقيون، ونشروها بين الشعوب التي احتكوا بها، وبخاصة اليونان الذين أصبحوا تلامذتهم في شئون الملاحة؛ وأخذوا عنهم أشياء مختلفة في ميادين الأدب والدين، والفن الزخرفي، وكان الفينيقيون يلعبون دور الوسطاء من الناحيتين الفكرية، والروحية؛ كما كانوا من الناحية التجارية.
يبدو أن الفينيقيين الذين كانوا أول من استعمل نظامًا أبجديًّا راقيًا في الكتابة، ونشروه في العالم، قد أخذوا أساس أسلوبهم من مصادر مصرية هيروغليفية بطريق سيناء؛ والرموز الهيروغليفية كانت في الأصل صورا للأشياء التي أرادت الدلالة عنها، ولكنها أنشأت من وجهة صوتية أربعين إشارة كانت حروفا ساكنة؛ غير أن المصريين المحافظين لم يذهبوا إلى حد استخدام هذه العلامات الساكنة وحدها؛ ولذلك فإن العلامات ظلت بدون أهمية حتى حوالي نهاية القرن السابع عشر حين اتفق لأحد الأسر الكنعانية، أو لأحد العمال في مناجم الفيروز في سيناء -كما يظن- أن يتجاهل الرموز الهيروغليفية المصرية؛ لعدم تمكنه من حل ما فيها من تعقيد، وأن يستعمل العلامات الساكنة، وكان المكان الذي ربما حصل فيه ذلك -هو سرابيط الخادم؛ وقد أعطيت للعلامات الساكنة أسماء سامية، وقيم سامية؛ فقد اتخذ الساميون مثلًا علامة
اسم الکتاب : تاريخ الفكر الديني الجاهلي المؤلف : الفيومي، محمد إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 56