المنكرات ومخالطة أهل المعاصي والسيئات وليتميز أهل الطاعات والأيمان عن طائفة الفساد والعدوان وليقوم علم الجهاد الذي به صلاح البلاد والعباد ولولا الهجرة لما قام الدين ولا عبد رب العالمين ومن المحال أن تحصل البراءة من الشرك والظلم والفساد بدونها.
ومن لوازم ترك الهجرة غالبا: مشاهدة المنكرات ومداهنة أرباب المعاصي والسيئات[1] وموادتهم وانشرح الصدر لهم فإن الشر يتداعى ويجر بعضه بعضا فلا يرضون عمن هو بين أظهرهم بدون هذه الأمور ولا بد لهم[2] من رضاهم والمبادرة في هواهم.
ثم إنه قال قولا ينبيئ من له أدنى معرفة أن هذا لا يصدر إلا ممن هو غريق في الجهالة قد عرى من المعقول والمنقول وذلك قوله: إن الله قدم حرمة ابن آدم على حرمته وأباحه ما حرم عليه من أكل الميتة إذا خاف على نفسه الضرر.
ووجه خطئه وجهله: أنه جعل ذلك أصلا قاس عليه ترك الهجرة وفي زعمه أنه اضطر إلى تركها كما اضطر إلى الأكل من الميتة من خاف على نفسه التلف. فأقول: لا يخفى ما في هذا القياس من الفساد وذلك من وجوه:
منها: أنه في مصادمة نصوص الكتاب والسنة التي دلت على وجوب الهجرة على من له قدرة عليها وإن كان يتوقع بها القتل والموت كما أنه لا يترك الجهاد خوفا من القتل كما قال تعالى: كما قال تعالى: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران: 195] .
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الحج: 58] فلم يجعل الله تعالى هذه الأمور التي قد تقع للمهاجر عذرا عن الهجرة لأن الهلاك في الهجرة والجهاد هو السلامة فإنه شهادة والشهداء {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ [1] ما بينها معلق في هامش الأصل وعليه كلمة صح. وهو انتقال نظر.
2 "ط": لهم. ساقطة.