والهلاك ولم ينفعهم الله بعلمهم ولا برأيهم وفهمهم – خاف على نفسه من أن يزيغ كما زاغوا وأن يضل كما ضلوا وهذا إنما يحصل بتوفيق الله ورحمته لعبده.
وصاحب هذا الكلام قد نسي ما وقع منه من المداهنة والموادة لأرباب البغي والعدوان على أهل الإسلام والإيمان والصد عن سبيل الله فأعظم بها من ذنوب ومثالب وعيوب. وما ذكرناه من الواقع من كثير من أعيان أهل نجد لا يمتري فيه من في قلبه أدنى حياة.
وظاهر حال هذا[1] المعترض: أنه لما جهل حقيقة هذا الذنب العظيم عدة من نوع[2] الواجب أو الجائز أو المكروه وكلامه في ورقته يدور على هذه الثلاثة فلذلك استوحش مما أنس به المسلمون وأنس بما استوحش منه العارفون فلو تصور الواقع منه لسالت على الخد منه دموع المحاجر وغصت من مخافة الوعيد تلك الحناجر كما دل على عظيم ذلك الذنب الكثير من الآيات والأحاديث والبينات.
واعلم أن هذا المغرور لما كذبته ظنونه التي قعدت به عن واجب الهجرة والجهاد وتبين أنه أخطأ سبيل الهدى والسداد وعلم أن المسلمين قد ميزوه بحاله وقبيح فعاله بادر إلى التشكي والتهويل والتباكي والعويل وحاول قلب الحقائق فاستهجن الصدق والمعروف واستحسن الباطل لكونه عنده هو المألوف. فأعظم بها عقوبة أطفأت نور العقل وأعمت البصيرة فصاحبها في ظلمات الجهل والريب. ولما قال رجل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هلكت إن لم آمر بالمعروف وأنه عن المنكر فقال ابن مسعود رضي الله عنه هلكت إن لم يعرف قلبك المعروف وينكر المنكر[3] قال بعض السلف: أنتم تخافون الذنب وأنا أخاف الكفر يا ربنا نسألك الثبات على الإيمان.
ومما [يجب أن] [4] يعلم: أن الله تعالى فرض على عباده الهجرة عند ظهور الظلم والمعاصي حفظا للدين وصيانة لنفوس المؤمنين عن شهود
1 "ط": هذا. ساقطة.
2 "ط": أنواع. [3] أخرجه ابن ابي شيبة في المصنف 15/174 وأبو نعيم في الحلية 1/135. [4] إضافة من "ط".