الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ" [1] بل الإسلام الحق – الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه – اليوم أشد غربة منه أول ظهوره وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة.
فالإسلام الحقيقي فينا غريب جدا وأهله غرباء بين الناس وكيف تكون فرقة واحدة بين فرق – لهم اتباع ورياسات ومناصب وولايات – لا يقوم لها سوق إلا في مخالفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم وما عليه من الشبهات – التي هي منتهى فضيلتهم وعلمهم – والشهوات – التي هي [غاية] [2] مقاصدهم وإرادتهم.
فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أو هواء هم وأعجب كل منهم برأيه فإذا أردت معرفة الإعراض عن الدين تعلما وعملا فتأمل ما هم عليه فالله المستعان.
واعلم يأمن له عقل ونور يمشي به في الناس أني تأملت الورقة التي قدمت الإشارة إليها- وهي لأحمد[3] بن علي المرائي – فإذا هو قد حشاها بالرعونات والحماقات التي هي من نتائج الجهل الصميم والعقل غير المستقيم فإذا نظر فيها العاقل علم أنها لا تصدر إلا من جاهل معجب بنفسه لإقامته بين جهلة العوام فإن أكثرهم لا يميز بين الصحيح من السقيم من الكلام.
فلو كان ما أبداه من أساجيعه من وراء كفاية ومن علم ودراية لكان أحرى بمراجعة الصواب والرجوع عما أخطأه فيه من الخطاب وقد قال بعضهم شعرا:
ولو كان هذا من وراء كفاية
لهان ولكن من وراء تخلف
فأعجب لقوله: أما بعد فيقول العبد المسترشد للعلم والعمل لا للمراء والجدل.
فالجواب: تأمل أيها المنصف ما بعد هذا من كلامه تجده مناقضا لما قال مشتملا على المراء والجدال كحال أمثاله من أهل الأهواء ويخبط على أثرهم [1] أخرجه مسلم في الصحيح رقم 145,. وانظر بقية التخريج في كتاب سبيل النجاة 25. [2] إضافة من "ط". [3] الأصل و "ط": لحمد. وهو تحريف.