العسقلانيّ وغيره ممّن يقدّرون للعلماء قدرهم، ولا يبخسون النّاس أشياءهم؛ فلا يعرف الفضل لأهل الفضل إلَّا أُولو الفضل ـ.
وأمّا قوله: «مصيبة عظيمة» :
فجوابه أن يُقال: ما أردتَ بقولك هذا؟! فإن أردتَ: أنّ ما أتى به شيخ الإسلام من الأدِلّة والبراهين الدّالّة على ما ذهب إليه في هذه المسألة وغيرها من المسائل مصيبة؛ فإن كانت على مَن لم يألف الدّليل، وألزم نفسه التّقليد واتّباع كلّ قال وقيل؛ فهو حقّ؛ فإنّ هؤلاء عندهم أنّ إيراد الأدِلّة والاشتغال بها مصيبة عظيمة؛ لأنّ ذلك مما يُخَرّب قواعدهم وأصولهم ويُحقّرهم في أعين العامّة، بعد أن كانوا رؤساء عظماء، ومن أجل ذلك؛ سدّوا باب الاجتهاد، وحرّموا على النّاس الاستهداء بالكتاب والسُّنّة، مهما بلغ أحدهم في العلم ما بلغ، وهذا شأن الغاشّين والمدلّسين في شريعة سيد المرسلين، وأنّهم ضدّ ما كان عليه أئمّة الدّين ـ كأبي حنيفة ومالك والشّافعيّ وأحمد ... وغيرهم (رضوان الله عليهم) ـ؛ فكلّ هؤلاء كان مقصدهم إصابة الحقّ وظهوره على يد أيّ أحد من النّاس؛ ولذلك كانوا لا يأمرون النّاس بتقليدهم وأخذ أقوالهم، ما لم يعلموا من أين أخذوها، وكلّ واحد منهم يقول: «إذا صَحّ الحديث فهو مذهبي» ؛ فبإخلاصهم لله في علمهم أبقى الله ذكرهم إلى يوم القيامة، وأمّا هؤلاء المنتسبون إليهم بالتّسمية ـ لا بالقول والفعل ـ؛ فالأئمّة بُراء منهم ومن أفعالهم؛ فإنّ المنتسبين مقصدهم بالعلم على ضدّ مقصد الأئمّة؛ يعلم ذلك من سبر سير هؤلاء وهؤلاء.
وإن أراد السّبكيّ بقوله هذا: أنّ ذلك مصيبة على الإسلام والمسلمين؛ فكلّا ثمّ كلّا! وهل يقول عاقل: إنّ الذي يستدلّ على مسائل الدّين بالأدِلّة الصّحيحة، لا يقلّد فيها أحدًا من النّاس كائنًا مَن كان [أنّ فعله مصيبة] ؟! هذه ليست مُصيبة، إلَّا على مَن حُرِمَ التّوفيق وضلّ عن الطّريق. وكيف يكون ما أتى به شيخ الإسلام مصيبة على