وأغروا به الحكّام بسببها، وقد انتصر له في كلّ زمان أئمّة من علماء الحديث والفقه، فأمّا مسألة الزّيارة: فقد استبان مذهبه فيها، وأمّا مسألة الطّلاق: فقد حقّقها كثير من أئمّة الإسلام قديمًا وحديثًا، حتى في زماننا، وبيّنوا أنّ شيخ الإسلام هو أسعد النّاس بإصابة القول فيها.
وأمّا قوله: «ويلزم على قول ابن تيميّة: أنّ الأُمّة كلّهم مخطئون في سفرهم إلى الزّيارة، وأنّها عثرة لا تُقال، ومصيبة عظيمة ... » إلخ:
فالجواب: قد تقدّم غير مرّة بيان استحباب شيخ الإسلام زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ودعوى السّبكيّ أنّ الأُمّة لم يزالوا يسافرون إليها قديمًا وحديثًا؛ هذه دعوى منه، وتحكّم بحت على مقاصد النّاس، وكيف يُظَنّ بصفوة النّاس ـ وهم العلماء ـ أنّهم لم يسافروا إلا للزّيارة فقط من غير قصد الصّلاة في المسجد الشّريف.
فإن قال السّبكيّ: كانوا يسافرون بقصد الصّلاة والزّيارة معًا.
قلنا: هذا المراد ـ وهو الذي يقول به شيخ الإسلام ـ.
وإن قال: كانوا لا يقصدون بسفرهم إلَّا الزّيارة فقط من غير قصد الصّلاة [في] المسجد.
قلنا: معاذ الله أنّ الأُمّة كلّها قد أجمعت على ترك سُنّة عظيمة ـ وهي: شدّ الرّحل إلى مسجده الشّريف ـ، وهم يروون ذلك في جميع كتبهم؛ فما أحد حكم عليها بالخطإ إلَّا الذي قال: لا يُسافرون إلَّا للزّيارة فقط!
وأمّا قوله: «إنّها عثرة لا تُقال ... » إلى آخره:
فجوابه: أنّ شيخ الإسلام ما قال إلَّا عن دليل استبان له، وقد وافق غيره ممّن ذكرنا أسماءهم، وحيث إنّ المسألة محلّ اجتهاد؛ فالمصيب فيها له أجران والمخطئ له أجر؛ فهو مأجور على كلّ حال بشهادة النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فهب أنّه أخطأ فيها ـ على رأي السّبكيّ ـ؛ فهو مأجور؛ فكيف يُقال: «إنّها عثرة لا تُقال» ، سيّما والإنسان ومحلّ للنّسيان، والبشر يجوز عليهم الصّواب والخطأ؟! وعقد علمتَ ـ بما مرّ ـ أنّ شيخ الإسلام لم يتكلّم في المسألة بالتّشهي وهوى النّفس؛ بل تكلّم فيها بالأدِلّة النّقليّة والعقليّة، والرّجل من أئمّة الاجتهاد ـ كما شهد له بذلك سبعون مجتهدًا في زمانه؛ نقل ذلك شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر