responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 103
رُؤْيَة الْكَيْفِيَّة فِي ذَلِك فَقَط بَيَان ذَلِك قَوْله تَعَالَى لَهُ {أَو لم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} فوضح أَن إِبْرَاهِيم لم يطْلب ذَلِك برهاناً على شكّ أزاله عَن نَفسه لَكِن ليرى الْهَيْئَة فَقَط وَأما زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّمَا طلب آيَة تكون لَهُ عِنْد النَّاس لِئَلَّا يكذبوه هَذَا نَص كَلَامه وَالَّذِي ذَكرُوهُ عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَلَام شَاك يطْلب برهاناً يعرف بِهِ صِحَة وعد ربه لَهُ تَعَالَى الله عَن ذَلِك وحاشى لإِبْرَاهِيم مِنْهُ
فصل

وَبعد ذَلِك قَالَ وتجلى الله لإِبْرَاهِيم عِنْد بلوطات ممرأ وَهُوَ جَالس عِنْد بَاب الخباء عِنْد حمي النَّهَار وَرفع عَيْنَيْهِ وَنظر فَإِذا بِثَلَاثَة نفر وقُوف أَمَامه فَنظر وركض لاستقبالهم عِنْد بَاب الخباء وَسجد على الأَرْض وَقَالَ يَا سَيِّدي إِن كنت قد وجدت نعْمَة فِي عَيْنَيْك فَلَا تتجاوز عَبدك ليؤخذ قَلِيل من مَاء واغسلوا أَرْجُلكُم واستندوا تَحت الشَّجَرَة وأقدم لكم كسرة من الْخبز تشتد بهَا قُلُوبكُمْ وَبعد ذَلِك تمضون فَمن أجل ذَلِك مررتم على عبدكم فَقَالُوا اصْنَع كَمَا قلت فأسرع إِبْرَاهِيم إِلَى الخباء إِلَى سارة وَقَالَ لَهَا اصنعي ثَلَاث صيعان من دَقِيق سميذ اعجنيه واصنعي خبز مِلَّة وَحضر إِبْرَاهِيم إِلَى الْبَقر وَأخذ عجلاً رخصا سمنا وَدفعه للغلام واستعجل بإصلاحه وَأخذ سمناً ولبناً والعجل الَّذِي صنعوه وَقدم بَين أَيْديهم وَهُوَ وَاقِف عَلَيْهِم تَحت الشَّجَرَة وَقَالَ كلوا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ فِي هَذَا الْفَصْل آيَات من الْبلَاء شنيعة نَعُوذ بِاللَّه من قَلِيل الضلال وَكَثِيره فَأول ذَلِك إخْبَاره أَن الله تَعَالَى تجلى لإِبْرَاهِيم وَأَنه رأى الثَّلَاثَة نفر فأسرع إِلَيْهِم وَسجد وخاطبهم بالعبودية فَإِن كَانَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَة هم الله فَهَذَا هُوَ التَّثْلِيث بِعَيْنِه بِلَا كلفة بل هُوَ أَشد من التَّثْلِيث لِأَنَّهُ إِخْبَار بشخوص ثَلَاثَة وَالنَّصَارَى يهربون من التشخيص وَقد رَأَيْت فِي بعض كتب النَّصَارَى الِاحْتِجَاج بِهَذِهِ الْقَضِيَّة فِي إِثْبَات التَّثْلِيث وَهَذَا كَمَا ترى فِي غَايَة الفضيحة فَإِن كَانَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَة مَلَائِكَة وَهَكَذَا يَقُولُونَ فَعَلَيْهِم فِي ذَلِك أَيْضا فضائح عَظِيمَة وَكذب فَاحش من وُجُوه أَولهَا من الْمحَال وَالْكذب أَن يخبر بِأَن الله تَعَالَى تجلى لَهُ وَإِنَّمَا تجلى لَهُ ثَلَاثَة من الْمَلَائِكَة وَثَانِيها أَن يُخَاطب أُولَئِكَ الْمَلَائِكَة بخطاب الْوَاحِد وَهَذَا مِمَّا يزِيد فِي ضلال النَّصَارَى فِي هَذَا الْفَصْل وَهَذَا أَيْضا محَال فِي الْخطاب وَثَالِثهَا سُجُوده للْمَلَائكَة فَإِن من الْبَاطِل أَن يسْجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخليله لغير الله تَعَالَى ولمخلوق مثله فَهَذِهِ كذبة وَإِن قَالُوا بل الله سجد فَهَذِهِ كذبة وَلَا بُد أَو يكون الله عِنْدهم هم الثَّلَاثَة المتجلون لَا بُد من أحداها وعادت البلية أَشد مَا كَانَت وَرَابِعهَا خطابه لَهُم بِأَنَّهُ عبدهم فَإِن كَانَ الْمُخَاطب بذلك هُوَ الله تَعَالَى وَهُوَ المتجلي لَهُ فقد عَادَتْ البلية وَإِن كَانَ المخاطبون بذلك الْمَلَائِكَة فحاشى لله أَن يُخَاطب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بالعبودية غير الله تَعَالَى ومخوقا مثله مَعَ أَن الْمحَال أَن يُخَاطب ثَلَاثَة بخطاب وَاحِد وخامسها قَوْله يُؤْخَذ قَلِيل من مَاء وَيغسل أَرْجُلكُم وأقدم كسرة من الْخبز تشتد بهَا قُلُوبكُمْ فَهَذِهِ الْحَالة لَئِن كَانَ خَاطب بِهَذَا الْخطاب الله تَعَالَى فَهِيَ الَّتِي لَا سوي لَهَا وَلَا بَقِيَّة بعْدهَا وَالَّتِي تملأ الْفَم وَإِن كَانَ خَاطب بذلك الْمَلَائِكَة فَهَذَا أكذب لِأَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لَا يجهل أَن الْمَلَائِكَة لَا تشتد قُلُوبهم بِأَكْل كسر الْخبز

اسم الکتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 103
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست