responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 116
على محبَّة الله وَذكره والقرب إِلَيْهِ والأنس بِهِ تكون بعد الْمُفَارقَة مَعَ الْأَرْوَاح العلوية الْمُنَاسبَة لَهَا فالمرء مَعَ من احب فِي البرزخ وَيَوْم الْقِيَامَة وَالله تَعَالَى يُزَوّج النُّفُوس بَعْضهَا بِبَعْض فِي البرزخ وَيَوْم الْمعَاد كَمَا تقدم فِي الحَدِيث وَيجْعَل روحه يعْنى الْمُؤمن مَعَ النسم الطّيب أَي الْأَرْوَاح الطّيبَة المشاكلة فالروح بعد الْمُفَارقَة تلْحق بأشكالها وَأَخَوَاتهَا وَأَصْحَاب عَملهَا فَتكون مَعَهم هُنَاكَ
وَمِنْهَا أَرْوَاح تكون فِي تنور الزناة وَالزَّانِي وأرواح فِي نهر الدَّم تسبح فِيهِ وتلقم الْحِجَارَة فَلَيْسَ للأرواح سعيدها وشقيها مُسْتَقر وَاحِد بل روح فِي أَعلَى عليين وروح أرضية سفلية لَا تصعد عَن الأَرْض
وَأَنت إِذا تَأَمَّلت السّنَن والْآثَار فِي هَذَا الْبَاب وَكَانَ لَك بهَا فضل اعتناء عرفت حجَّة ذَلِك وَلَا تظن أَن بَين الْآثَار الصَّحِيحَة فِي هَذَا الْبَاب تَعَارضا فَإِنَّهَا كلهَا حق يصدق بَعْضهَا بَعْضًا لَكِن الشَّأْن فِي فهمها وَمَعْرِفَة النَّفس وأحكامها وان لَهَا شانا غير شَأْن الْبدن وَأَنَّهَا مَعَ كَونهَا فِي الْجنَّة فَهِيَ فِي السَّمَاء وتتصل بِفنَاء الْقَبْر وبالبدن فِيهِ وَهِي أسْرع شَيْء حَرَكَة وانتقالا وصعودا وهبوطا وَأَنَّهَا تَنْقَسِم إِلَى مُرْسلَة ومحبوسة وعلوية وسفلية وَلها بعد الْمُفَارقَة صِحَة وَمرض وَلَذَّة ونعيم والم أعظم مِمَّا كَانَ لَهَا حَال اتصالها بِالْبدنِ بِكَثِير فهنالك الْحَبْس والألم وَالْعَذَاب وَالْمَرَض وَالْحَسْرَة وهنالك اللَّذَّة والراحة وَالنَّعِيم وَالْإِطْلَاق وَمَا أشبه حَالهَا فِي هَذَا الْبدن بِحَال ولد فِي بطن أمه وحالها بعد الْمُفَارقَة بِحَالهِ بعد خُرُوجه من الْبَطن إِلَى هَذِه الدَّار
فلهذه الْأَنْفس أَربع دور كل دَار أعظم من الَّتِي قبلهَا
الدَّار الأولى فِي بطن الْأُم وَذَلِكَ الْحصْر والضيق وَالْغَم والظلمات الثَّلَاث
وَالدَّار الثَّانِيَة هِيَ الدَّار الَّتِي نشأت فِيهَا والفتها واكتسبت فِيهَا الْخَبَر وَالشَّر وَأَسْبَاب السَّعَادَة والشقاوة
وَالدَّار الثَّالِثَة دَار البرزخ وَهِي أوسع من هَذِه الدَّار وَأعظم بل نسبتها إِلَيْهِ كنسبة هَذِه الدَّار إِلَى الأولى
وَالدَّار الرَّابِعَة دَار الْقَرار وَهِي الْجنَّة أَو النَّار فَلَا دَار بعْدهَا وَالله ينقلها فِي هَذِه الدّور طبقًا بعد طبق حَتَّى يبلغهَا الدَّار الَّتِي لَا يصلح لَهَا غَيرهَا وَلَا يَلِيق بهَا سواهَا وَهِي الَّتِي خلقت لَهَا وهيئت للْعَمَل الْموصل لَهَا إِلَيْهَا وَلها فِي كل دَار من هَذِه الدّور حكم وشأن غير شَأْن الدَّار الْأُخْرَى فَتَبَارَكَ الله فاطرها ومنشئها ومميتها ومحييها ومسعدها ومشقيها الَّذِي فاوت بَينهَا فِي دَرَجَات سعادتها وشقاوتها كَمَا فاوت بَينهَا فِي مَرَاتِب علومها وأعمالها وقواها وأخلاقها فَمن

اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست