responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معجز أحمد المؤلف : المعري، أبو العلاء    الجزء : 1  صفحة : 407
يقول: هل في الناس من يعذرني في مدحي وهجوي إياه، فإني مضطر إليهما، كما أن المريض مضطر إلى المرض غير مختار له.
إذا أتت الإساءة من وضيعٍ ... ولم ألم المسيء فمن ألوم؟!
يقول معتذراً لنفسه في هجوه: إن الإساءة إذا وصلت لي من جهة لئيم اضطررت إلى لومه، ولا معنى للوم غيره ولم يسئ إلي.
وقال أيضاً يهجوه ولم ينشدها أحداً:
لو كان ذا الآكل أزوادنا ... ضيفاً لأوسعناه إحسانا
يقول: هذا الذي أكل أزوادنا من غير أن يمدنا بنعمته، لو كان ضيفاً لنا لم نعامله مثل ما عاملنا به، بل كنا نوسعه إحساناً، خلاف ما يفعله بنا. وأراد بأكل الأزواد: أن مقامه عنده يفني نفقاته.
لكنّنا في العين أضيافه ... يوسعنا زوراً وبهتاناً
يقول: ولكنني في الظاهر ضيفه ونازل عليه، وقراي عنده هو أن يوسعني زوراً وبهتانا، ويعدني بالمواعيد الكاذبة.
فليته خلّى لنا طرقنا ... أعانه الله وإيّانا
يقول: ليته إذا لم يحسن إلي خلى سبيلي ولم يحبسني، فقد رضيت من صلته وبره بتخلية سبيلي. ومثله لامرئ القيس:
وقد طوّفت في الآفاق حتّى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
وكتب إليه أبو الطيب يستأذنه في المسير إلى الرملة لتنجز مال له بها، وإنما أراد أن يعرف ما عنده في مسيره ولا يكاشفه.
فأجابه: لا والله - أطال الله بقاك - لا نكلفك المسير لتنجز مالك، ولكنا ننفد رسولاً قاصداً يقبضه ويأتيك به في أسرع وقت، ولا نؤخر ذلك إن شاء الله تعالى، فلما قرأ الجواب قال:
أتحلف لا تكلّفني مسيراً ... إلى بلدٍ أحاول فيه مالا
وأنت مكلفي أنبي مكاناً ... وأبعد شقّةً وأشدّ حالا
أنى مكاناً: من نبا بك المنزل، إذا لم يمكن المقام فيه، ويدفعك لارتفاعه. وروى: أنأى مكاناً: أي أبعد مكانا.
يقول: أنت تحلف أنك لا تكلفني تجشم الارتحال لاقتضاء الحال، وأردت التخفيف علي، وليس الأمر كذلك، فإنك كلفتني ما هو أشد وأبعد منه، وأراد حبسه إياه على وجه العمر.
وقيل: أراد ما عزم عليه من الهرب والخروج من مصر، والتقدير: أنبى منه مكانا وأبعد منه شقة وأشد منه حالاً، فحذف منه تخفيفاً، والمحذوف يرجع إلى المسير.
إذا سرنا عن الفسطاط يوماً ... فلقّني الفوارس والرّجالا
يقول: إذا سرت عن الفسطاط، وصار بيني وبينه مسيرة يوم، فأنفذ خلفي الخيل والرجال ويوماً نصب على الظرف، والعامل فيه سرنا أي قطعنا بالسير يوماً.
لتعلم قدر ما فارقت منّي ... وأنّك رمت من ضيمي محالاً
أي لقني الفوارس والرجال؛ لتعلم قدري في شجاعتي، ودفعي عن نفسي، وتعلم أنك طلبت أمراً محالا.
وقيل: إن اللام من لتعلم متعلقة بمحذوف أي رحلت من أعمالك لتعلم أنك لا تقدر على ضيمي.
وأقام أبو الطيب بعد أن أنشده قصيدته البائية سنةً لا يلقي الأسود، إلا أن يركب فيسير معه في الطريق لئلا يوحشه، وقد عمل على مراغمته والرحيل عنه، فأعد الإبل وخفف الرحل.
وقال يهجوه في يوم عرفة من سنة خمسين وثلاث مئة، وذلك قبل مسيره من مصر بيوم واحد:
عيدٌ بأية حالٍ عدت يا عيد ... بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديد
كأنه قال: هذا عيد ثم خاطب العيد فقال: يا عيد بأية حال عدت؟! هل عدت بما مضى من حالك، أم فيك تجديد لأمر آخر؟ وتجديد مبتدأ، ولأمر خبره، وفيك صفة لأمر. وقيل: تجديد مبتدأ وفيك خبره ولأمر مفعول له.
أمّا الأحبّة فالبيداء دونهم ... فليت دونك بيداً دونها بيد
البيد: جمع البيداء والهاء في دونها للبيد قبلها.
يقول: بيني وبين أحبابي فلاة بعيدة فما أصنع بك مع البعد عنهم! لأن الإنسان إنما يسر بالعيد إذا كان معه أحبته، فأما مع بعدهم، فليت بيني وبينك فلوات دونها فلوات.
لولا العلا لم تجب بي ما أجوب بها ... وجناء حرفٌ ولا جرداء قيدود

اسم الکتاب : معجز أحمد المؤلف : المعري، أبو العلاء    الجزء : 1  صفحة : 407
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست