فلما خرج من عنده قال يهجوه:
من أية الطّرق يأتي نحوك الكرم ... أين المحاجم يا كافور والجلم؟
الجلم المقص، وأكثر ما يستعمل في الذي يجز به الصوف من الغنم.
يقول: من أي طريق يصل إليك الكرم؟! وأنت لئيم الأصل تصلح لآلات الحجامين: من المحاجم والمقص.
وقيل: أراد أنك تصلح أن تكون حجاما أو راعياً يجز الصوف بالجلم. وإنما نسبه إلى الحجامة؛ لأن الحجامين بمصر لا يكونون إلا سوداناً، وكذلك رعاة الغنم أكثرها العبيد السود.
جاز الألى ملكت كفّاك قدرهم ... فعرّفوا بك إنّ الكلب فوقهم
قدرهم منصوب بجاز.
يقول: الذين ملكتهم من أهل مصر كانوا قد بغوا وجاوزوا قدرهم، فأذلهم الله تعالى بك، وأعلمهم أن الكلب خير منهم عنده.
وكأن هذا تفسير لقوله: ولله سر في علاك.
لا شيء أقبح من فحلٍ له ذكرٌ ... تقوده أمةٌ ليست لها رحم
جعله أمةً لأنه خصى، ثم حطه عن منزلة الأمة. فيقول: هو أمة بلا رحم! فالأمة مع تمام خلقها أحسن حالا منه. فالفحل إذا رضي بحكمه وانقاد لأمره فهو أذل من الكلب. وهذا تعريض بابن الإخشيد، وتضريب بينه وبين كافور
سادات كلّ أناسٍ من نفوسهم ... وسادة المسلمين الأعبد القزم
القزم: رذال الناس والمال.
يقول: سيد كل أمة منهم ومن أعزهم، إلا المسلمين فإنهم يرضون بسيادة العبيد
أغاية الدّين أن تحفوا شواربكم ... يا أمّةً ضحكت من جهلها الأمم؟؟!
من عادة أهل مصر إحفاء الشوارب.
يقول: اقتصرتم من الدين على ذلك، وعطلتم سائر أحكامه! ورضيتم بولاية كافور عليكم مع خسته، حتى ضحكت الأمم منكم واستهزءوا بكم وبقلة عقلكم.
ألا فتىً يورد الهنديّ هامته ... كيما تزول شكوك النّاس والتّهم؟
يقول: سيادتك تشكك الناس في حكمة الله تعالى فمن الذي يتعصب للدين؟! فيضرب رأسه بالسيف ويزيل هذا الشك عن قلوب الشاكين.
فإنّه حجّةٌ يؤذي القلوب بها ... من دينه الدّهر والتّعطيل والقدم
يقول: إن هؤلاء الكفار إذا رأوا ما ناله كافور مع خسته، جعلوا ذلك حجة لقولهم: إن العالم ليس له مدبر حكيم. وآذوا بها قلوب المسلمين، فمن الذي يقتله؟ حتى تزول هذه الأذية عن قلوب المسلمين.
ما أقدر الله أن يخزي خليقته ... ولا يصدّق قوماً في الّذي زعموا
يقول: إن الله تعالى قادر على أن يخزيه ويخزي المعطلين، بأن يبطل قولهم واحتجاجهم على نفي الصانع.
يعني: إن لم يقتله الناس. فإن الله تعالى يريح المسلمين، ويزيل الشبهة عن قلوب المؤمنين.
وقال أيضاً يهجوه:
أما في هذه الدّنيا كريم ... تزول به عن القلب الهموم؟
يقول: ليس في هذه الدنيا كريم يؤنس إليه، ويزيل الهموم عن قلوب من يجالسه.
أما في هذه الدّنيا مكانٌ ... يسرّ بأهله الجار المقيم؟!
أي ليس فيها مكان، يسر المقيم في ذلك المكان بأهله.
تشابهت البهائم والعبدّي ... علينا والموالي والصّميم
العبدي: العبيد. والصميم الصريح الخالص النسب يقول: الناس كلهم جهال بمنزلة البهائم، فأحرارهم وعبيدهم ومواليهم سواء في اللؤم.
وما أدري أذا داءٌ حديثٌ ... أصاب النّاس أم داءٌ قديم؟؟!
يقول: لست أدري هل كان في قديم الزمان على ما نشاهده الآن في استواء الناس أم حدثت هذه الحالة الآن؟
حصلت بأرض مصر على عبيدٍ ... كأنّ الحرّ بينهم يتيم
كأنّ الأسود اللاّبىّ فيهم ... غرابٌ حوله رخمٌ وبوم
يقال للأسود: لابي ولوبي ونوبي. منسوب إلى اللابة، وهي الحجارة السود شبهه بالغراب، لسواده، وشبه من حوله بالرخم والبوم، وكل هذه من شرار الطير.
أخذت بمدحه فرأيت لهواً ... مقالي للأحيمق يا حليم
يقول: لم أجد من مداراته بد، فلما أخذت بمدحه استهزأت به. وقلت له مع حمقه: إنك حليم، ومع لؤمه، إنك كريم!
ولمّا أن هجرت رأيت عيّاً ... مقالي لابن آوى يا لئيم
يقول: لما رأيت هجوه، لم أجد لمقالي مجالاً، فرأيت هجوي له عياً، فكنت بمنزلة من يقول لابن آوى: يا لئيم وهو أخس من أن يقال له ذلك.
فهل من عاذرٍ في ذا وهذا ... فمدفوعٌ إلى السّقم السّقيم