يقول: رأت الأعداء كلّ من يغدر بك مغدوراً به، إما من جهة الحياة بالموت أو من جهة الزمان بالذل.
برغم شبيبٍ فارق السّيف كفّه ... وكانا على العلاّت يصطحبان
علات الدهر: حوادثه.
يقول: إن السيف فارق شبيباً على رغم منه، بعد أن كان لا يفارقه فقتل بسيفه على ما يقال.
كأنّ رقاب النّاس قالت لسيفه: ... رفيقك قيسيٌّ وأنت يماني
قيس: من عدنان. واليمن: من قحطان. وبينهما عداوة قديمة وتارات وكيدة وهذا الرجل كان من قيس عيلان، والسيوف الجيدة تنسب إلى اليمن.
يقول: كأن رقاب الناس لما تبرمت بقطع شبيب لها، أغرت بينه وبين سيفه ليقتله حتى تسلم الرقاب من شره فقالت له: لم تصحبه؟! وأنت يماني وهو قيسي، وبين قيس واليمن تلك الحروب والتارات، فبان من يده وضرب عنقه وأخذ منه ثأر اليمن عند قيس.
وأراد أن يذكر سبب قتله بسيفه فعبر عنه بأحسن عبارة.
فإن يك إنساناً مضى لسبيله ... فإنّ المنايا غاية الحيوان
اسم كان مضمر: أي إن كان شبيب إنساناً مات، فالموت غاية كل حي، فضلاً عن كل إنسان.
فهذا كالمرثية له.
وما كان إلاّ النّار في كلّ موضعٍ ... يثير غباراً في مكان دخان
يقول: كان في أيام حياته ناراً في المواقع، وكان يثير الغبار بدل الدخان. جعله ناراً وغبار المعركة دخاناً.
فنال حياةً يشتهيها عدوّه ... وموتاً يشهّي الموت كلّ جبان
يقول: عاش في حياة نكدة منغصة يشتهيها كل عدو له، ومات موتةً قبيحةً تمنى الجبان أن يموت قبل أن يصير إلى مثل حاله.
قيل: قنطر به فرسه. وقيل: إن امرأة رمته بجرة ملآنة عذرة.
وقيل: إن هذا البيت مرثية له.
يقول: إنه عاش في عز وعلاء يتمناه العدو لنفسه، ومات موتاً يشجع الجبان؛ لأنه إذا علم أن الموت لا محيص عنه، وأن تحرزه لا ينجيه منه، اشتهى الموت في القتال.
نفى وقع أطراف الرّماح برمحه ... ولم يخش وقع النّجم والدّبران
يقول: دفع رماح الأبطال عن نفسه برمحه، لما خشى أن يصل إليه من جهتهم قتل أو جرح، ولم يخش أن ينزل إليه الموت من السماء.
يعني: استبعد الموت من الجهة التي أتاه منها، كما يستبعد وقع النجوم من السماء. وذلك أن امرأة دلت على رأسه حجراً من سور دمشق، وقيل: سقطت به فرسه. يعني لم يكن يخشى ذلك.
ولم يدر أنّ الموت فوق شواته ... معار جناحي، محسن الطّيران
شواته: أي جلدة رأسه.
يقول: لم يعلم أن الموت نجم أعير جناحا طائر، وأنه يعلم الطيران فيهتدي إليه.
وقد قتل الأقران حتّى قتلته ... بأضعف قرنٍ، في أذلّ مكان
يقول: لم يزل يقتل الأبطال حتى قتلته الأقران بأضعف قرن في أخس مكان وأذله. يعني: المرأة التي دلت عليه الرحى.
أتته المنايا في طريقٍ خفيّةٍ ... على كل سمعٍ حوله وعيان
يقول: أتاه الموت من حيث لا يشعر به هو ولا أصحابه فكأنه جاء في طريق خفي على كل أحد ممن حوله.
ولو سلكت طرق السّلاح لردّها ... بطول يمينٍ واتّساع جنان
الجنان: القلب. والهاء في ردها للمنايا.
يقول: لو جاءته المنايا من طريق الحرب لردها عن نفسه بطول يمينه وسعة قلبه.
تقصّده المقدار بين صحابه ... على ثقةٍ من دهره وأمان
تقصده: قيل: قصده، وقيل: قتله.
يقول: قصد موته أو أجله القدر. وهو بين أصحابه، واثق من دهره آمن من صروفه.
وهل ينفع الجيش الكثير التفافه ... على غير منصورٍ وغير معان؟
التفافه: أي اجتماعه.
يقول: إذا لم يكن الإنسان منصوراً من جهة الله تعالى، فلا ينفعه كثرة جيشه واجتماعه.
ودى ما جنى قبل المبيت بنفسه ... ولم يده بالجامل العكنان
ودى: أي أعطى الدية. وفاعله: ضمير شبيب. وما جنى مفعوله. والجامل: اسم موضع لجماعة الجمال. مثل الباقر: لجماعة البقر. والعكنان: الكثير.
يقول: أعطى دية من قتله من الأقران قبل دخول الليل بنفسه ولم يعط ديتهم بالإبل الكثيرة.
أتمسك ما أوليته يد عاقلٍ ... وتمسك في كفرانه بعنان؟
يقول: كيف تمسك يد العاقل إحسانك ثم يكفره؟! وتمسك يده العنان لمحاربتك! يعني لا يفعل هذا عاقل، وإن رامه خذلته يده.
وعطف تمسك على تمسك ولو نصب الثاني لجاز. كقولك: أتأكل السمك وتشرب اللبن.