يقول: إن حاربه الأعداء فلا ينجون بالشجاعة والإقدام، وإن هربوا لحقهم بخيله، فلا ينجون بالهرب والانهزام.
أضرت شجاعته أقصى كتائبه ... على الحمام، فما موت بمرهوب
أضرت: أي أغرت، يقال: أضريته على كذا وضريته على كذا: إذا عودته. وأقصى كتائبه: أي جميع كتائبه؛ لأن أقصى هو الغاية.
يقول: قد عودت شجاعته جميع عسكره لقاء الحروب، فكأنه أضراهم على الموت، فلا يخافون من الموت والقتل، كالبازي إذا ضرى بالصيد، لا يخاف منه.
قالوا هجرت إليه الغيث! قلت لهم: ... إلى غيوث يديه والشّآبيب
الشآبيب: جمع شؤبوب، وهي الدفعة العظيمة من المطر.
والمعنى: أن أرض مصر لا تمطر، وكأن الناس قالوا: لم تركت ديار الخصب والغيث، وقصدت كافوراً؟! فقال لهم: إن غيث يديه وشآبيب جوده، أكثر من الغيث وأنفع.
إلى الّذي تهب الدّولات راحته ... ولا يمنّ على آثار موهوب
يقول: إن كنت تركت الغيث، فقد قصدت ملكاً يهب الولايات، ولا يتبع منه.
وفيه تعريضان: أحدهما تعريض لكافور أن يوليه ولاية، والآخر تعريض بسيف الدولة أنه كان يمن عليه بما يصل منه إليه.
ولا يروع بمغدورٍ به أحداً ... ولا يفزّع موفوراً بمنكوب
الموفور: الرجل الكثير المال.
يقول: لا يغدر بأحد، فيخاف آخر بأن يغدر به كما غدر بغيره، ولا ينكب صاحب مال، فيخاف منه صاحب مال أن ينكبه، كما نكب غيره.
بلى يروع بذي جيش يجدّله ... ذا مثله في أحمّ النّقع غربيب
يجدله. يصرعه على الجدالة، وهي الأرض، والأحم: الأسود، والنقع: الغبار، والغربيب: الأسود جاء به توكيداً.
يقول: لا يروع بمغدور به أحداً، ولكن يقصد إلى ملك صاحب جيش عظيم فيقتله ويروع به ملكاً آخر صاحب جيش مثل هذا المقتول، فإذا رأى ما صنع بالأول هابه.
يعني: أن همته ليست أخذ المال، بل همته طلب العز.
وجدت أنفع مالٍ كنت أذخره ... ما في السّوابق من جريٍ وتقريب
التقريب: أرفع المشي، وأدنى الجري.
يقول: كان أنفع مال وجدته وجمعته: ما في الخيل السوابق من الجري والتقريب.
جعل الجري والتقريب مالاً، لما وصل بهما إلى المال؛ لاتصاله بالممدوح.
لمّا رأين صروف الدّهر تغدر بي ... وفين لي ووفت صمّ الأنابيب
يقول: لما وصلت بهذه السوابق، وبهذه الرماح إلى جميع ما أردته، فكأنهن وفين لي، في وقت غدرت بي صروف الدهر، ولم توافني حوادث الأيام.
فهو يصف بذلك رحيله إلى مصر، ونجاته من أذية سيف الدولة.
فتن المهالك حتّى قال قائلها: ... ماذا لقينا من الجرد السّراحيب؟!
المهالك: جمع مهلكة، وهي المفازة. والسرحوب: الفرس الطويل، ولا يوصف بها الذكر.
يقول: سرعة هذه الخيل، شكت المفاوز حتى قال قائلها: أي بعض بقاعها: أي شيء لقينا من هذه الخيل؟! وقيل: أراد بالمهالك أسباب الهلاك. أي فأتت خيلي كل أمر فيه هلاك.
تهوى بمنجردٍ ليست مذاهبه ... للبس ثوبٍ ومأكولٍ ومشروب
تهوى: أي تسرع. والمنجرد: الماضي في أمره.
يقول: هذه السوابق تهوى في المفاوز برجل مجد في أمره، ليست همته المأكول والمشروب والملبوس، وإنما همته معالي الأمور.
يرى النّجوم بعيني من يحاولها ... كأنّها سلبٌ في عين مسلوب
يقول: ينظر هذا المنجرد إلى النجوم نظر من يريد تناولها، فكأنها سلب سلب منه، فهو ينظر إليها كما ينظر المسلوب إلى سلب في يد غيره.
يعني: أنه يستحق منازل النجوم، لكن الدهر حطه عن درجته، فهو ينظر إليها على هذا الوجه.
حتّى وصلت إلى نفس مححّبةٍ ... تلقى النّفوس بفضلٍ غير محجوب
يقول: قطعت المهالك حتى وصلت إلى نفس محبة من الناس؛ لعظم شأنه، ولكن فضلها غير محجوب.
وقيل: إن هذا تعريض بسواده. يعني: وصلت إلى نفس كريمة، محجوبة في جسم أسود، وفضلها غير محجوب: يعني: أن مخبره أحسن من منظره.
في جسم أروع صافي العقل تضحكه ... خلائق النّاس إضحاك الأعاجيب
يقول: هذه النفس في جسم رجل ذكي صافي العقل، وإن كان أسود اللون، فهو أبيض العقل، فلا يخالط عقله شيء من الكدورة، وهو يضحك من أخلاق الناس لنقصائهم في العقل! فكأنه رأى شيئاً عجيباً.
والأروع: الذكي القلب.